تونس | في جوّ يذكّر إلى حدّ بعيد بأجواء الحرب الباردة، يُعقد في تونس، اليوم، «مؤتمر أصدقاء سوريا»، بمبادرة تونسية، وتمويل من الجامعة العربية، هو تمويل قطري بالتحديد بحسب بعض التقارير الإعلامية. ولعلّ هذا الجو البارد يوحي بسيناريوهات كثيرة يمكن أن يحسمها هذا المؤتمر الذي يشبه إلى حدّ بعيد جولات «مجموعة الاتصال الخاصة بليبيا»، التي عقدت اجتماعاتها الثلاثة في لندن والدوحة وإسطنبول، والتي شرعت للتدخل العسكري الأجنبي في ما بعد. وإعادة هذا «السيناريو الليبي» في سوريا تبقى من السيناريوهات المطروحة بحسب تسريبات صحافية، وخصوصاً من قبل دول الخليج التي ترى أن «وقت التفاوض مع نظام الرئيس بشار الأسد» قد انتهى، وبالتالي يجب المرور إلى الخطوة التالية.
ونوعيّة هذه «الخطوة التالية» تبقى نقطة اختلاف بين المعسكر الدولي الموالي لدمشق، ضد ذلك الغربي ــ العربي المعادي للنظام السوري، وكذلك بين أطراف المعسكر المعادي نفسه، حيث تنقسم الرؤيات بين موقف راديكالي يشدد على ضرورة التدخل العسكري في سوريا، حتى في صيغة نشر قوات حفظ سلام، أو عبر دعم المعارضة المسلحة، وهو سيناريو مطروح بالفعل برأي البعض، بدليل التقارير التي نشرتها ولا تزال صحف فرنسية وأميركية تتحدث عن خطط جاهزة للامداد العسكري واللوجستي عبر الحدود التركية واللبنانية إلى سوريا.
هذا الانقسام في صفوف المعارضة السورية نفسها، هو الذي جعل أداءها محل انتقاد كبير من المتابعين والمحللين، و«هذه النقطة بالذات ستكون البند الأساسي على جدول أعمال المؤتمر» بحسب مصدر دبلوماسي تونسي مقرب من الشأن السوري، بما أنه «يجب الضغط على مختلف فصائل المعارضة للتوحد وتأسيس جبهة معارضة تضم كامل أطيافها وكامل شرائح المجتمع السوري» على حد تعبير المصدر نفسه. خطوة قد تكون بدأت بالفعل على وقع الاعلان عن مشاركة عدة أطياف من المعارضة السورية في «مؤتمر أصدقاء سوريا» كـ«المجلس الوطني السوري» برئاسة برهان غليون و«هيئة التنسيق الوطنية» بقيادة هيثم مناع (الصديق الشخصي للرئيس التونسي المنصف المرزوقي اللذين أسسا معاً في باريس «الرابطة العربية لحقوق الإنسان») وعبد العزيز الخيّر، والمجلس الوطني السوري الكردي، ومعارضين آخرين كميشال كيلو ولؤي حسين، وجميعهم بصفة مراقبين. مشاركات تأكدت وسط كشف عضو «المجلس الوطني» عبد الله التركماني أن هناك عدة دول عربية «وعدت» بالاعتراف بالمجلس ممثلاً للشعب السوري، وهو ما يخشى كثر أن يؤدي، لو حصل بالفعل، إلى فتح صراع سياسي جديد بين أطراف المعارضة وهو «ما يدعم استمرار النظام»، ما سيؤثر على الشعب السوري في النهاية. انطلاقاً من ذلك، «يجب الضغط على المجلس الوطني ليوسع من تمثيله ويكون جبهة للمعارضة السياسية مجتمعةً» وفق ما يضيف المصدر الدبلوماسي التونسي المطلع على أجواء المؤتمر. كلام يترجمه التركماني بالقول إن «توحيد الصفوف جزء من استراتيجيا المجلس الوطني» الذي يسعى إلى اتمامها. ورغم هذا «التفاؤل»، فإن الوقائع تشير إلى غير ذلك، وخصوصاً في ظل «لعب بعض الأطراف الدولية على حبال التفرقة بين مكونات المعارضة»، ولا سيما من قبل الطرف الروسي الذي رفض المشاركة في مؤتمر أصدقاء سوريا، واستدعى بعض وجوه المعارضة للتشاور في موسكو.
ووفق ما تسرب عن مشروع بيان المؤتمر، فإن الدول المشاركة ستطالب سوريا بتنفيذ وقف فوري لاطلاق النار للسماح لجماعات المساعدات بتوصيل امدادات اغاثة لأشد المناطق تضرراً من العنف. ويعترف مشروع بيان لاجتماع «اصدقاء سوريا» ايضاً بالمجلس الوطني السوري ممثلاً شرعياً للسوريين الساعين إلى تغيير ديموقراطي سلمي، وهو وصف يبدو انه اقل من الاعتراف الكامل بأبرز جماعة معارضة، غير أنه إذا صح يؤدي إلى مزيد من التشقق.
ولعل انقسام المعارضة السورية سياسياً ليس الإشكال الوحيد في المشهد المعقد للمعارضة السورية التي يرجَّح أن يحاول «أصدقاء سوريا» حلها اليوم «ولو بالقوة» (مجازياً)، فهو يكمن كذلك في إشكالية ثانية وهي انقسام المعارضة المسلحة بين فصيلين: «الجيش السوري الحر» بقيادة العقيد رياض الأسعد، و«المجلس العسكري السوري» تحت قيادة الواء الركن مصطفى الشيخ. انقسام قد يقود مؤتمر تونس إلى النظر في ترميم العلاقات بين الفصيلين للعمل على استراتيجيا دعم المعارضة بالسلاح والمال، أو مثلما جاء في قرارات الجامعة العربية «مادياً ومالياً». من هنا، يشير البعض إلى احتمال طرح فكرة أن يكون «الجيش السوري الحر» ذراعاً مسلحة للمجلس الوطني مع وجود «تنسيق» حاصل أصلاً بين الطرفين، وهو ما يرى فيه التركماني «بداية جيدة للعمل على توحيد الصفوف حتى من الناحية السياسية». كلام سبق أن أكّده رئيس «المجلس الوطني»، برهان غليون، في إشارته إلى أن «المجلس الوطني» سيستمر في دعم «الجيش الحرّ بالمال والعتاد»، وهو ما «سيعمل مؤتمر أصدقاء سوريا على تفعيله»، وفق ما أفاد به المصدر الديبلوماسي التونسي.
وفي ما يتعلق بتفاصيل المؤتمر، تلتقي عشرات الدول العربية والأجنبية، إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون بينما يغيب عنه روسيا والصين والهند ولبنان وإيران طبعاً، وذلك في الضاحية الشمالية لتونس العاصمة، «لتدارس الحلول الممكنة للأزمة السورية».
ومنذ أعلن وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام استضافة تونس للمؤتمر قبل نحو أسبوعين، ووتيرة انتقادات المعارضة التونسية لهذا الخيار ترتفع انطلاقاً من رفض عدد كبير من التونسيين «لأن تكون تونس بوابة لتدويل الأزمة السورية». وقد سبقه نفي قيادة «حركة النهضة» الإسلامية الحاكمة، وتحديداً زعيمها الأول راشد الغنوشي، أن يكون هدفه تشريع تدويل الأزمة السورية والتدخل العسكري، دون أن ينفي الاعتراف بالمجلس الوطني السوري.