القاهرة | «ما حدش عارف البلد دي رايحة فين». هي العبارة السحرية التي أخذت تنتشر تدريجياً بعد الثورة، تعبيراً عن انعدام الشعور بالأمان في ظل الانفلات الأمني، الذي يرجح مراقبون بشدة أن يكون مقصوداً من قبل أجهزة الأمن، انتقاماً من الشعب بعد الثورة. والعبارة التي تلقي بظلالها بعد كل حادث عنف تشهده البلاد عادت لتتردد على ألسنة المصريين مجدداً، بعد حادثة اعتداء ملثمين على المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، عبد المنعم أبو الفتوح، في وقت متأخر أول من أمس، قبل أن يعقبها بعد ساعات الاعتداء على حسن البرنس، عضو مجلس الشعب عن حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين ظهر أمس من قبل مجهولين. حادثة الاعتداء على أبو الفتوح، التي تخللها السطو على سيارته على الطريق السريع خلال عودته مع سائقه من مؤتمر انتخابي في محافظة المنوفية الى العاصمة المصرية القاهرة، ربما خفف من حدة التكهنات السياسية بشأنها، ووضعها في سياق حوادث اعتداء بهدف السرقة، تعرّض مشاهير آخرين لها من قبيل عضو مجلس الشعب عمرو حمزاوي، والممثلة بسمة، لكنّ ذلك لم يمنع بعض الأطراف، ومن بينهم اللجنة التحضيرية للمبادرة الوطنية لإنقاذ الثورة المصرية «اتحدوا» من اعتبار أن ما حدث لأبو الفتوح «محاولة اغتيال فاشلة».
وربطت «اتحدوا» بين الحادث وما قاله أبو الفتوح في مؤتمره الانتخابي من أن «مصر لن يحكمها فرد بعد الآن، والشعب هو الذي سيحكم من خلال مؤسسات منتخبة». ورأت أن «محاولة الاعتداء، التي نُفّذت لتبدو كأنها حلقة في مسلسل الانفلات الأمني، تشير بوضوح إلى المستفيد الحقيقي والفاعل الأصلي لهذه الجريمة، الذي يحاول بكافة الطرق عرقلة عملية تسليم السلطة».
أما التفسيرات السياسية حيال الاعتداء على البرنس، فبدت أكثر كثافة، وخصوصاً أن الأخير كان قد أعلن تلقيه تهديدين بالقتل على خلفية تقرير صاغه كوكيل للجنة الصحة في مجلس الشعب، عن ملاءمة مستشفى سجن طرة لاستقبال الرئيس المخلوع حسني مبارك، المحبوس احتياطياً، في مستشفى فاخر على ذمة قضيتي قتل المتظاهرين والفساد المالي. إلّا أن وزارة الداخلية سارعت إلى نفي شبهة محاولة الاغتيال عن الحادث، الذي أدّى إلى إصابة البرنس بكدمات بسيطة من جراء اعتراض طريق سيارته من قبل سيارة نقل، قبل أن تصدمها أخرى من الخلف، وفقاً لما قاله لـ «الأخبار» وكيل وزارة الصحة والناطق الرسمي باسمها، هشام شيحة.
في المقابل توقع المسؤول الإعلامي لحزب «الحرية والعدالة»، أحمد حسن، في تصريحات لـ«الأخبار» وجود محاولة الاغتيال؛ «فمجلس الشعب أبلغ وزارة الداخلية التهديدات التي تلقاها حسن البرنس، وأكرم الشاعر (رئيس لجنة الصحة وعضو حزب الحرية والعدالة) وطالبها بتعيين حراسة لهما، لكنها لم تفعل» على حد قوله.
وهو نفس ما ذهب إليه مساعد أول وزير الداخلية السابق، حسن عبد الحميد، وهو أحد شهود الإثبات ضد وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، إذ أوضح لـ«الأخبار» أن وزارة الداخلية «يسودها التراخي الأمني المتعمّد، بينما رجال مبارك يمرحون في حرية ويستطيعون بسهولة تدبير مثل تلك الحوادث، في الوقت الذي استمر فيه رجال العادلي واسماعيل الشاعر (مدير أمن القاهرة السابق المتهم في القضية) وعدلي فايد (مساعد وزير الداخلية السابق لقطاع الأمن العام المتهم في نفس القضية) في شغل مناصبهم في جهاز الشرطة كما كانوا». كذلك أشار عبد الحميد إلى التهديدات التي كان قد كشف عن تلقيها هو الآخر على خلفية شهادته ضد وزير الداخلية السابق ومساعديه.
في غضون ذلك، صدرت مجموعة من المواقف المنددة بالاعتداء على أبو الفتوح، الذي غادر المستشفى بعد استقرار حالته الصحية، فيما أكدت وزارة الصحة أنه وصل إلى المستشفى فجر الجمعة مصاباً بارتجاج في المخ، نتيجة ضربة قويه على الرأس تسببت في كدمة شديدة بالرأس وأماكن متعددة في الجسم، لكن الفحوص أظهرت أنه لا يعاني كسوراً في العظام، وأن جميع أعضاء جسمه تعمل بكفاءة.
وزار المرشح المحتمل للرئاسة حمدين صباحي، أبو الفتوح في المستشفى قبيل مغادرته إيّاه، مطالباً بسرعة القبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة.
أما المرشح الآخر المحتمل للرئاسة محمد سليم العوا، فطالب «وزارة الداخلية بضرورة استكمال القيام بواجبها في تحقيق الأمن للمواطنين في جميع أنحاء البلاد»، مديناً الاعتداء على أبو الفتوح. بدوره، أسف المرشح المحتمل للرئاسة، أحمد شفيق، للحادث، وأعرب عن صدمته، مطالباً بسرعة «التحرك للكشف عن أبعاد الجريمة»، فيما وصف الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما حدث مع أبو الفتوح بـ «العجز ». وأضاف على حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» «مجلس عسكري وحكومة غير قادرين على حماية مرشح رئاسي بارز، فضلاً عن توفير الأمن في البلاد، هما المشكلة لا الحل».
أما المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، فأعلن هو الآخر إدانته للحادث، قائلاً على حسابه على «تويتر» «دعواتي للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح بتمام الشفاء والعافية، داعياً أن ينتقم الله ممن قام بهذه الجريمة الشنعاء».
بدوره، رأى حزب النور «السلفي» أن ما تعرض له ابوالفتوح يقع ضمن مخطط تخريبي، وطالب الحزب بأن تكشف وزارة الداخلية عن «مؤامرة الاعتداء على ابو الفتوح، وبسرعة ضبط الجناة ومعرفة دوافعهم وتقديمهم للعدالة في أقرب وقت ممكن»، فيما اكتفت الأخيرة بالاعلان عن أن أجهزة الأمن «تكثف جهودها للوصول إلى الجناة وتقديمهم إلي المحاكمة في أقرب وقت»، مؤكدةً أنها «بدأت العمل لكشف ملابسات الحادث».