غزة | وفاء وكمال لا يعترفان بشيء اسمه عيد الحب، لا بل إنهما يسخران منه. «أيّ حب هذا الذي يحتاج إلى عيد للتذكير به؟»، بهذا تتعجب وفاء 33 عاماً من هذه الاحتفالية! تستعيد بفخر وانتشاء أولى المشاهد التي جمعتها بزوجها كمال (50 عاماً) بصوت يحمل ثقة كل النساء: ذات مرة رآني أغسل الأطباق بماء المطر في نصف الطريق، فأُعجب بي. هكذا يخبرني مراراً ! لم يكن مشهداً رومنطيقياً كمثل تلك التي نشاهدها في الأفلام الفرنسية الرومانسية، لكنّه يحمل في طيّاته من البساطة والتأثير ما يعكس استشفافه البعيد لقدرتها على تحمّل كدر العيش معه وسط كل الظروف.
طيبتها الزائدة وتفهمه الشديد وحبهما للحياة دفعتهما لبدء مشوار علاقتهما الحميمة آنذاك. البحر كان مرأبهما الأزرق المفتوح. في الشتاء كانت تحلو لهما مراقبة الأمطار تنهمر فوقه، فيما يختبئان هما داخل سيارة تقف قبالته. يضحكها حتى اللحظة كيف فوجئا بفقدان أغراضهما التي تركاها في خيمة البحر بانتظار نهاية النزهة: معطفها الشتوي الطويل، حذاؤها وحذاؤه، حتى اضطرّا نهاية الأمر إلى العودة حافيين. ضحكة عالية أغرقت «أم إبراهيم» في ذكريات جميلة بعيدة، لكنها فجأة تتذكر أحزانها الفلسطينية الغزاوية: استشهاد طفلها إبراهيم (8 أعوام) أثناء الحرب على غزة، صورة زوجها الحبيب كمال المصاب بعيارين ناريين على مرأى منها من دون أن تتمكن من إغاثته... لكن كل هذا لم يمنعهما من الاحتفال بأعيادهما بصحبة أطفالهما الستة، في قلب خيمة قماشية آوتهما بعد قصف البيت وتدميره. لا بل إنّ الاحتفال خصوصاً بيوم عقد قرانهما كان عيد الحب بنظرهما، لكونه اليوم الذي جمع بينهما بعد خلاف طال حتى اتفقت عائلتاهما على عقده. وبرغم الخيمة القماشية وسخرية الجيران من احتفالهما يومها بقولهم: «والله محنا عارفين وقتيش اتجوزنا منشان نتذكر»، لم يثبط ذلك عزيمة وفاء لإعداد أطباق الحلويات المنزلية احتفالاً بذلك اليوم. أما هو، فلم يمنعه فقره من جلب الهدايا المغلّفة لها، لعل نسمة الود ترطّب حياتهما بشيء من الفرح.
ومن بيت الخيمة إلى البيت الحجري الصغير الذي لا يُقارن ببيتهما الكبير المدّمر، انتقلا حبيبين. فالأزمات تجدد الحب! هكذا ترطّب وفاء جرحها بقرب والد أطفالها الستة، وسط دفء بيتها الذي استشعره كل صحافي عربي وأجنبي زار خيمتها وقت الحرب. إلا أنّ هذا لا يمنع الأنثى داخلها من الشك في حبه لها. آخر تلك الظنون فاجأتها في الذكرى الخامسة عشرة لزواجهما، سألته: «لساتك بتحبني متل أول؟». تباطأ بالرد قليلاً، ثمّ ردّ بنفي قبض قلبها، إلى أن أكمل عبارته بقوله: «بحبك يا أم ولادي أكتر من أوّل بكتير».