صنعاء | وصل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح إلى صنعاء فجر يوم السبت وحيداً، وكان في استقباله نجل أخيه، طارق محمد عبد الله صالح، قائد الحرس الرئاسي الخاص. لم يكن هناك أي مراسم خاصة. وكالة الأنباء الرسمية بدورها لم تكن حاضرة، وبالتالي لم تورد خبر وصوله في نشرتها، لتتكفل بنشر الخبر قناة تلفزيونية خاصة تابعة لنجله أحمد، فضلاً عن الموقع الإخباري الخاص بحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي أشار إلى «وصول رئيس المؤتمر الشعبي العام» غير متبوع بصفة رئيس الجمهورية. ظهر الأمر كأن الجميع في كتيبة الرئيس المخلوع صالح قد بدأ التأقلم، سريعاً، على أنه لم يعد رئيساً، وأن هناك من سيذهب إلى البرلمان بعد ساعات قليلة كي يؤدي القسم الرئاسي ليصبح ثاني رئيس لدولة الجمهورية اليمنية التي أُعلنت في 1990، وأول رئيس جنوبي لليمن. لكن هذا لا يبدو مقنعاً لأصحاب القضية الجنوبية والحراك الجنوبي الذين يعتبرون مسألة تولي عبد ربه منصور هادي لرئاسة الجمهورية مسألة تبديل أدوار وإيكال شؤون الدولة إلى رجل منزوع الصلاحيات مسبقاً، ولا يمتلك شخصية خاصة تمكّنه من تغيير شيء.
وهذا ما يبدو أن الرئيس الجديد قد التقطه جيداً، ليظهر بهيئة مغايرة تماماً نهار السبت، يوم أداء القسم الرئاسي الذي جرى تحت سيطرة تامة من قبل رجال حراسة شخصيين ظهروا إلى جواره للمرة الأولى، بطريقة أثارت انتباه الناس. فحرّاس هادي، الذين تظهر من ملامحهم أنهم يتبعون منطقة أبين التي ينحدر منها الرئيس الجديد، كانوا، بحسب وصف مصدر إعلامي حضر مراسم أداء اليمين، لا يظهرون تسامحاً مع أي تدخل في سير عملهم المكلفين به. وتولوا السيطرة تماماً على محيط مبنى البرلمان ومداخله، وطردوا جميع حرّاس المبنى السابقين، وأجروا عمليات تفتيش دقيقة لجميع الداخلين من غير تفريق. وقال المصدر «كل هذا كان يدل على أن فريق الحراسة كان يخشى من حصول شيء يهدد حياة الرئيس الجديد».
أمّا في ما يخص الكلمة التي ألقاها عبد ربه منصور هادي، فكان أبرز ما لفت الانتباه فيها تركيزه على أمور عملية تمسّ الحالة اليومية التي يعيشها المواطن اليمني الآن، وعدم إغراقه في الوعود الكبيرة التي لا يمكن تحقيقها كما كان يفعل الرئيس المخلوع صالح في خطاباته الكثيرة التي كان يلقيها في مناسبة ومن دون مناسبة. كأن هادي في خطابه الرئاسي الأول كان حريصاً على وضع خطوة أولى في طريق مغاير للصورة القديمة التي طبعتها خُطب صالح في عقول الناس، ومصارحتهم بحقيقة وضعهم البائس الذي يعيشون في ظله.
لكن تبقى النقطة الأبرز في هذا الخطاب، وهي عدم ذكر عبد ربه هادي لاسم الرئيس السابق علي صالح مطلقاً، ولو على سبيل الشكر على الفترة التي قضاها رئيساً للبلاد. بل على العكس من هذا، ذهب هادي إلى انتقاد صالح بطريقة غير مباشرة بقوله إن «غياب المشروع الوطني الواضح في الفترة السابقة كان عاملاً كبيراً في وضع العراقيل أمام تحقيق التقدم». وأكد الوقوف إلى جانب «مشروع وطني كبير» من شأنه أن يقف حجر عثرة أمام «المشاريع الذاتية والطموحات الصغيرة، وقد جرّب وخبر شعبنا كل ما له علاقة بألاعيب كهذه».
ورأى مراقبون أن هذه النقطة بالتحديد كان المقصود بها الرئيس السابق، الذي أعلنت أمس أحزاب اللقاء المشترك رفضها المشاركة في حفل رمزي يعتزم تنظيمه اليوم في صنعاء لتسليم القصر الرئاسي إلى الرئيس الجديد، في محاولة أخيرة منه للتأكيد أنه سلّم السلطة بمحض إرادته.
إلا أن رسائل هادي لم تتوقف عند هذه النقطة. فقد أكد في خطاب القسم رفض أي محاولة لابتزازه نتيجة وصوله إلى الحكم، بالتأكيد أنه لم يأت إلى السلطة بفضل من أحد، «باعتبار أن السلطة اليوم صارت مسنودة بشرعية شعبية لا يمكن التشكيك فيها أو الانتقاص منها».
ولهذا، ظهر في المحصلة أن الرئيس الجديد رغب في خطابه في مكاشفة الجميع بحال اليمن، وعدم إيهام أحد بأن مجرد بداية المرحلة الانتقالية المحددة بعامين ستكون نهاية لكل أزمات اليمنيين ومشاكلهم، سواء الاقتصادي منها أو الأمني، في إشارة إلى تنظيم القاعدة الذي صار يسيطر على مساحات ليست قليلة في الجغرافيا اليمنية، ومنها منطقة أبين التي ينحدر منها الرئيس الجديد نفسه.
تنظيم «القاعدة»، بدوره، لم يتأخر في تأكيد حضوره على الواقع. فبعد وقت قليل من انتهاء الرئيس الجديد من أداء القسم الدستوري وإلقاء خطابه الرئاسي الأول، نفذ التنظيم هجوماً انتحارياً بسيارة على القصر الجمهوري في محافظة حضرموت، المحاط بحراسة أمنية مشددة من قبل قوات الحرس الجمهوري، مسبّباً مصرع أكثر من عشرين جندياً.
لكن مسألة تبنّي تنظيم «القاعدة» للهجوم بعد وقت قصير من تنفيذه لاقت تشكيكاً من قبل محللين أعلنوا استغرابهم من تلك السرعة التي خرج فيها بيان منسوب إلى «القاعدة» يقول بمسؤوليته عن الهجوم، وهذا ما لا يفعله التنظيم عادةً. كذلك شكك المحللون في الأسباب التي حملها البيان المنسوب للتنظيم، والذي قال إنه نفّذ هذه العملية انتقاماً من قوات الحرس الجمهوري التي قامت في الفترة الأخيرة بتكبيد التنظيم خسائر كبيرة في الأرواح. وينبع التشكيك من أنه لم يُعرف أن قوات الحرس الجمهوري شاركت في أي عمليات ضد القاعدة في اليمن، وأنها كانت على الدوام في منطقة محايدة بخصوص المواجهات بين السلطة والتنظيم، ما جعل البعض يرى أن التفجير الانتحاري إن دل على شيء فهو أن النظام السابق لا يزال مصرّاً على أداء أدواره القديمة.