القاهرة | تكشف فصول الثورة المصرية التي لم تحسم بعد، رغم مرور أكثر من سنة على اندلاعها، مزيداً من الفضائح والجرائم التي ارتُكبت بحق التظاهرات السلمية، آخرها كان ما سلّطت دعوى قضائية الضوء عليه بشأن وجود قرار قديم صادر عن وزارة الداخلية المصرية، يعود إلى نحو نصف قرن، ويعطي العسكري الحق في قتل المتظاهرين!
ففي حملة القتل الممنهج، كشفت الدعوى القضائية التي أقامتها منظمات حقوقية، ضدّ رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الوزراء ووزير الداخلية، أمام القضاء الإداري، عن أن أجهزة الدولة التي اعتبرت عدداً من ضحايا أحداث العنف المتوالية بعد الثورة «شهداء»، رغماً عنها، تملك غطاءً شرعياً لمعظم أحداث القتل والإصابة بالعاهات المستديمة.
وأخرجت الدعوى إلى العلن قراراً قديماً لوزير الداخلية عام 1964، يبدو أنه يمنح الغطاء الشرعي لسلوك وزارة الداخلية أثناء أيام الثورة الأولى قبل تنحّي مبارك وبعده، وينص على «حق قوات الأمن في إطلاق النار على المتجمهرين أو المتظاهرين»، بغض النظر عن سلميّتهم، إذا لم يتفرقوا بعد إنذارهم، بل يمنح الحق في اتخاذ قرار بإطلاق النار للضابط، رئيس القوة، أو أقدم فرد في الخدمة»، وهو ما عقّبت عليه صحيفة الدعوى، قائلةً إنه «تصريح بالقتل».
وتطالب المنظمات الحقوقية من خلال هذه الدعوى القضائية بـ«استصدار قرار بقصر التعامل مع المتظاهرين والمعتصمين السلميين من قبل قوات الأمن على خراطيم المياه، عبر استخدام عربات المطافئ، وحظر تفريق التظاهرات والاعتصامات بالرصاص الحي أو المطاطي أو الخرطوش أو قنابل الغاز أو أي أسلحة أخرى تعرّض حياة المصريين للخطر»، بحسب نص عريضة الدعوى نفسها.
وعقّب المحامي في مؤسسة «الفكر والتعبير»، واحدة من خمس منظمات أهلية تقدمت بالدعوى، أحمد عزت، على الدعوى القضائية في حديث إلى «الأخبار» بالقول إن «الدعوى تطعن في دستورية القرار (السابق) وفي دستورية قانون الشرطة برمته الصادر في عام 1971، والذي يستند في بعض نصوصه إلى القرار نفسه، مجيزاً إطلاق الرصاص على المتظاهرين، وهو ما يتناقض مع الحق في الحياة وحرية الرأي والتعبير».
الدعوى تقدمت بها المنظمات باسم الناشطة فاطمة العابد وزوجها مالك مصطفى الذي فقد عينه اليمنى في أحداث شارع محمد محمود، وتسلّط الضوء على دموية استخدام الغاز ضدّ المتظاهرين خلال العام الماضي، إلى الحد الذي سقط على أثره ثلاثة شهداء على الأقل من جرّاء استنشاق الغاز فقط، بحسب مصادر حقوقية. وبحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فقد استخدمت قوات الأمن أنواعاً مختلفة من غاز «سي أس» بكثافة على شكل عبوات بعيدة المدى. وأضافت، في تقرير لها صادر في كانون الثاني، أن غاز «سي أس» يحتوي على مادة فعالة شديدة السموم في التركيزات العالية، وتسبب عند التعرض لنسب قليلة جداً منها القيء والاختناق والتقرحات الجلدية والحروق من الدرجة الثانية والارتفاع الشديد في ضغط الدم. وفي حال التعرض لكميات كبيرة من الغاز، «فقد تحدث الوفاة نتيجة توقف القلب أو إغراق الرئة في السوائل». وتؤكد أن «القنابل كانت تطلق على المتظاهرين واحدة تلو الأخرى بصورة متلاحقة، وصلت في بعض الأحيان الى إطلاق أكثر من خمس قنابل في دقيقة واحدة وفي الاتجاه نفسه، وذلك بالتوازي مع إطلاق أعيرة الخرطوش».