الخرطوم | مثّل تدشين مقر السلطة الإقليمية لدارفور أخيراً خطوة مهمة لتطبيق بنود وثيقة الدوحة للسلام في دارفور على أرض الواقع، حيث كان أول المرحبين بهذه الخطوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي حثّ طرفي الاتفاق، الحكومة و«حركة التحرير والعدالة»، على اتخاذ خطوات فورية لتنفيذه. كذلك دعا الحركات غير الموقّعة على الاتفاق إلى البدء الفوري، ومن دون شروط مسبقة، بمفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي.
ولعل دعوة بان كي مون الموجهة لغير الموقّعين على اتفاق الدوحة لها أهميتها، فالأمم المتحدة تبقى الراعي الرسمي لأي مجهودات لحل أزمة دارفور، فضلاً عن تأليفها قوة حفظ سلام في الإقليم، بالاشتراك مع الاتحاد الأفريقي، وهي تعتبر الأكبر في تاريخ المنظمة الأممية، وقوامها حوالى 27 ألف جندي بتكلفة تصل إلى ملياري دولار سنوياً.
من جهتها، قالت حكومة الخرطوم إنها لن توقّع اتفاقاً آخر بعد وثيقة الدوحة لسلام دارفور. وهو موقف متصلب يرى المراقبون أن من شأنه أن يفتح الإقليم على عدة احتمالات، أخطرها استمرار الحرب. ورغم أن «حركة التحرير والعدالة»، التي يتولى زعيمها التيجاني السيسي رئاسة السلطة الإقليمية لدارفور تعتبر تجمعاً يضم العديد من الحركات المسلحة، إلا أنها ذات ثقل سياسي وعسكري محدود وغير مؤثر. أما فريق الرافضين لوثيقة الدوحة فتتزعمه «حركة العدل والمساواة» التي اغتيل رئيسها خليل إبراهيم نهاية العام المنصرم. وتعدّ «العدل والمساواة» أكبر حركة متمردة في دارفور، من حيث الثقل السياسي والعسكري، الأمر الذي مكّنها سابقاً من إيصال نشاطاتها إلى مشارف العاصمة السودانية. ومن أكبر الحركات المسلحة الرافضة لوثيقة الدوحة أيضاً «حركة تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد نور، وهي حركة لها نفوذ واسع فى معسكرات النازحين، ويغطي وجودها العسكري مناطق واسعة، مثل «جبل مرة». وهناك أيضاً حركة «جيش تحرير السودان»، بقيادة مني أركو مناوي، وهي حركة سبق لها أن وقّعت مع حكومة الخرطوم اتفاق سلام في عام 2006، لكن تنفيذ الاتفاق وصل إلى طريق مسدود، وخصوصاً في ما يتعلق بالترتيبات الأمنية التي نص عليها، ما دفع الحركة للعودة مجدداً إلى العمل المسلح في كانون الأول الماضي، بعدما نعى رئيسها «اتفاق أبوجا».
وسعت هذه الحركات المسلحة الثلاث، التي تعدّ الأكبر في دارفور، إلى تنسيق جهودها في مواجهة حكومة الخرطوم، وخاصةً بعد التوقيع على وثيقة الدوحة، في منتصف تموز من العام الماضي، برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ودولة قطر. وبالرغم من أن اتفاق الدوحة جاء بعد محادثات ماراتونية استمرت ثلاثين شهراً، يشكك الكثير من المراقبين في قدرته على طي صفحة الحرب في دارفور. ويرى البعض أن نقاط تشابه عديدة تجمع بين اتفاق الدوحة واتفاق أبوجا، وفي مقدمتها رفضه من قبل حركات لها وزنها في دارفور. وقد سبّب ذلك عودة الموقّعين على اتفاق أبوجا إلى حمل السلاح مجدداً في وجه الدولة، بمن فيهم مني أركو مناوي الذي تقلد بموجب اتفاق أبوجا رئاسة السلطة الإقليمية لدارفور ومنصب كبير مساعدي الرئيس السوداني. ويُخشى أن يلقى اتفاق الدوحة المصير ذاته، إذا لم ينجح في استقطاب الحركات التي لا تزال تعارضه. ورغم تعهدات الحكومة السودانية بمحاربة التمرد في دارفور، عبر حزمة من المسارات المتلازمة التي تشمل الإصلاح السياسي والعمليات العسكرية ومشاريع التنمية، لم يؤثر ذلك حتى الآن في الحركات الرافضة لوثيقة الدوحة. وأكد زعيم حركة العدل المساواة الجديد، جبريل إبراهيم، أن الاتفاقات الموقّعة «ليست اتفاقية سلام، بل اتفاقية توظيف، إذ إنها تعطي وظائف دبلوماسية للموقّعين عليها، لكنها لا تقدم حلولاً للمشاكل الحقيقية في دارفور».