الجزائر | لم تُثر مشاركة أي حزب في انتخابات أيار البرلمانية في الجزائر، اهتمام السياسيين والعامة بقدر ما أثاره القرار الصادر عن قيادة جبهة القوى الاشتراكية بدخول هذه المنافسة، بعدما قاطعتها في الدورتين السابقتين 2007 و2002. إذ رحبت الأوساط الرسمية والمقرّبة من النظام وكل من يكدّون لسحب الجزائريين الى صناديق الاقتراع بهذه الخطوة.
وثمّن وزير الداخلية، دحو ولد قابلية، وهو أكبر مشرف على الانتخابات، بقرار جبهة القوى الاشتراكية، وسجله ضمن الضمانات المتعلقة بصدقية هذه الانتخابات للخروج ببرلمان يمثل كل الجزائريين. وقال، أول من أمس، «إنه قرار مسؤول ومنطقي، جاء في الوقت المناسب. جبهة القوى الاشتراكية حزب سياسي لديه خبرة طويلة تقوم على الديموقراطية والوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية، فهو يحتل مكانة بين الأحزاب التي هي في قلب الاقتراح والدفاع عن الأفكار الجريئة والشجاعة، والعاملة على إحداث التغيير الكبير». بدوره، أعرب زعيم حركة «مجتمع السلم» (الإخوان المسلمون)، أبو جرة سلطاني، عن سعادته بانضمام جبهة القوى الاشتراكية الى الأحزاب المنخرطة في العملية الانتخابية. وقال في اجتماع مع قيادات من حزبه إن مشاركة «القوى الاشتراكية» ستسهم بقدر كبير في إعطاء هذه الانتخابات الصدقية.
وساد جو «ابتهاج» عام في الأوساط الرسمية بعد إعلان الأمين العام للجبهة، علي العسكري، مشاركة حزبه بقوائم في مختلف ولايات البلاد بعد نحو شهر من النقاش الداخلي بين مؤيدين ومعارضين لهذه الخطوة انتهت الى تفضيل قرار الغالبية بالعودة الى البرلمان، بعد قطيعة دامت عشر سنوات. وبالنسبة إلى السلطة، فإن وجود «القوى الاشتراكية» في السباق الانتخابي فرصة غالية لا تضاهيها مشاركة أي فريق آخر، وهي أكثر من يضفي «صدقية» على العملية الانتخابية، كون الحزب من المعارضة الراديكالية التي لم يسبق لها منذ تأسيسها عام 1963، أن تحالفت مع النظام ولا حتى هادنته. وهي أول من وصف نظام الحكم بالدولة البوليسية، ودعت الجزائريين الى التخلص منه خلال الاستعدادات لانتخابات 1991 الملغاة.
وتراهن السلطة على هذه المشاركة من باب أنها تحقق عدّة مزايا. على الصعيد الداخلي، تضمن مشاركة مكثفة لمنطقة القبائل التي تتفرّع الى عدّة ولايات يقطنها البربر. وهذه المنطقة تعد أكثر المناطق حساسية بثورتها الدائمة ضدّ النظام، وتوجد فيها حركة وحيدة في الجزائر تدعو إلى الحكم الذاتي لـ«شعب القبائل». ومن دون مشاركة «القوى الاشتراكية»، ستغيب هذه المنطقة تماماً عن الانتخابات بعد قرار التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية مقاطعتها؛ فالحزبان يتقاسمان الساحة الانتخابية هناك، ومكانة أحزاب السلطة ضعيفة جداً لا تتعدى 2 في المئة. وتعارض «جبهة القوى الاشتراكية» «الحركة من أجل الحكم الذاتي في القبائل»، وترفض أي تنازل عن وحدة الجزائر.
على الصعيد الخارجي، فإن مشاركة «الجبهة الاشتراكية» ثمينة بالنسبة إلى الضمانات التي أعطاها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحكومته للهيئات الدولية والإقليمية والقوى الكبرى بضمان الشفافية والمشاركة الواسعة. وجبهة القوى الاشتراكية هي عضو نشيط في الأممية الاشتراكية منذ نشأتها. لكن، في مقابل هذا الترحيب، أُصيب فريق من السياسيين الجزائريين بخيبة كبرى، وخاصة من يعملون على إفشال الانتخابات وتعرية السلطة أمام الرأي العام الدولي. وهاجم دعاة المقاطعة قيادة «القوى الاشتراكية» واتهموها بعقد صفقة مع النظام تؤدي فيه دور «المنزّه»، لهذه الانتخابات مقابل مزايا تحصل عليها بتكريس سيطرتها على منطقة القبائل وتوسيع مجال وجودها في الولايات الأخرى، علماً بأن الأمين العام للجبهة أكد أن قرار المشاركة جاء نتيجة تحليل الحزب للأوضاع، وتبيّن أن ثمة عوامل داخلية وخارجية تسمح بالاتجاه نحو التغيير السلمي في الجزائر، في إشارة الى الربيع العربي.