دمشق | تاريخ الثامن من آذار لن يمر مثل السنين الـ 49 التي مرّت على الشعب السوري، وخصوصاً على حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي يشكل هذا التاريخ ذكرى ثورته على الحكومة عام 1963 واستلامه الحكم. ولأن هذا التاريخ ارتبط بحزب البعث، أراد بعض المعارضين أن يقابلوا هذه الذكرى بمواكبة الاحتفال العالمي بيوم المرأة العالمي في الثامن من آذار، فأطلقوا تسميتهم على هذا اليوم بيوم المرأة السورية. ويحتفل البعثيون هذا العام في ثورة الثامن من آذار مع غياب «الثامن» من الدستور، أي بعد إلغاء تلك المادة التي رافقت حكم البعث في سوريا.
وبموجب الدستور الجديد، أصبحت المادة الثامنة تتناول مفهوم التعددية السياسية وحق وصول أي حزب إلى السلطة وفق القوانين.
جولة في أحياء دمشق، حيث تتواجد المراكز الحزبية «شعبة الحزب»، تظهر أن تلك المراكز، التي اعتادت أن ترفع الصور والشعارات في مثل هذه الايام بشكل كثيف، اكتفى بعضها برفع صور بشكل مخفَّف مقارنة مع الأيام السابقة. «الرفيق أحمد»، كما يريد أن نناديه، تجاوز من الخمسين عاماً، وهو يعمل في إحدى المراكز الحزبية. وحول مدفئة صغيرة، يجتمع مع عدد من البعثيين يتحدثون عن أمور البلاد والحزب. وعن الثامن من آذار، يقول أحمد لـ «الأخبار» إنه «يجسد مرحلة هامة في تاريخ حزبنا مثلها مثل الحركة التصحيحية، واحتفالنا بهذه الذكرى هو تأكيد لفكر التجدد الدائم نحو الأفضل الذي نحمله». ورداً على سؤال حول الاختلاف عن السنوات السابقة من حيث الأزمة والتغيير في الدستور، يجيب بصوت قوي: «نحن لسنا حزب سلطة، وجودنا في الحكم لا يعني أننا تخلينا عن قضيتنا والأيام ستثبت أننا الأقوى في المجتمع». يستمع الشباب البعثيون لـ «الرفيق» أحمد باحترام نظراً لسنه، لكن تبدو على وجوه بعضهم علامات عدم الرضا إزاء بعض ما يقوله. وعند خروجه إلى مكتبه لإجراء مكالمة هاتفية، يفصح الشباب عن هواجسهم، مع التأكيد على عدم الكشف عم هوياتهم؛ أحدهم منتسب إلى «البعث» منذ 7 سنوات يقول إنه «رغم خبرتي المحدودة، لكنني أريد النظر بإيجابية إلى انعكاس ما تمر به البلاد على ما يحدث في حزبنا، فنحن بحاجة إلى أن نعيد ترتيب صفوفنا من خلال استبعاد العناصر الضارة». يقاطعه أحدهم طالباً عدم تسجيل كلامه: «الكل يعرف أن هناك منتسبين إلى الحزب ولكنهم ليسوا مؤمنين برسالتنا، وقد استغلوا السلطة لمصالحهم»، على حد تعبيره. يستعيد الشاب السابق دوره في الحديث عن المرحلة المقبلة: «كنت أفكر في ثورة الثامن من آذار وأنه علينا أن نسير على نهجها، نحن من يحتاج لثورة داخل الحزب كي نعيد له نشاطه».
حال هذه الجلسة هو حال الكثير من البعثيين الذين عبّروا خلال السنة الماضية، بطريقة واضحة وصريحة، عن اعتراضهم عما يحدث داخل الحزب من إشكالات واستغلال له. ذلك أن الأمور بعد فترة قصيرة ستتغير، إذ لن تبقى جميع هذه المراكز الحزبية بيد الحزب، بل سوف يتم تسليمها إلى أصحابها. كما أن البعثيين العاملين في هذه المراكز سوف يتم تعيينهم في مؤسسات، كونهم كانوا يعملون في هذه المراكز التي سيتم الاستغناء عن معظمها. وفي هذا اليوم الذي تعتبره الحكومة السورية عطلة رسمية، يتسأل الناس: هل يكون الثامن من آذار 2012 الأخير كعطلة رسمية؟
في الجهة المقابلة لهذا اليوم، يعمل المعارضون على إعلان هذا اليوم هو «يوم المرأة السورية الثائرة». وكون هذا اليوم مرتبط بحزب البعث، فقد أراد المعارضون أن يكون تكريماً للمرأة السورية التي «وقفت مع الثورة في مختلف الأماكن والمجالات»، بحسب تعبيرهم.
لقد تمّ التركيز من قبل المعارضين على أن هذا اليوم هو يوم المرأة وليس يوم «الحرائر» التي تدل على معنى لا يليق بالنساء السوريات. تحدثت لـ «الأخبار» إحدى الفتيات الداعمات لهذه الحملة، وتقول «لقد قدمت المرأة السورية الكثير طوال سنين حياتها، وقدمت في هذه السنة نفسها أكان في الاعتقال والتظاهرات والشهادة، كما أن بعضها قدم أبنائه». وعند الحديث عن الشعارات التي ترفع في هذه الحملة، تشير الناشطة المعارضة إلى استعمال كلمة «حرائر»، وتقول «لا أفهم كيف يقوم بعض المعارضين برفع لافتات يكتب عليها حرائر منطقة معينة، بالثورة نريد أن نُدخل قيماً جديدة». تتحدث هذه الناشطة عما يحدث في ليبيا ومصر وتونس، وتقول إنه «مع تأكيد احترامي للثورات، لكنني أعتقد أنه تم الركوب عليها من قبل التيارات السلفية، هذه الحملة (يوم المرأة السورية) هي حركة لكي لا نصبح حرائر كما حصل مع غيرنا، وكما يريد لنا البعض أن نكون».
على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، خُصصت صفحة «الثامن من آذار عيد المرأة السورية»، التي امتلأت بالصور لمعتقلات وأفلام عن دور المرأة في الحراك المعارض. كما تم تنفيذ صفحة تحت مسمى «ثائرات سوريا، لا حرائر». وفي تعريف الصفحة تقرأ «من أخلاقيات ثورتنا أن ندعو للعدالة وننفي الإقصاء... أنا ثائرة سورية... لست حرمة».