دمشق | بين مسيرات «دعم إصلاحات» السلطة السورية، والشكر لمواقف «الشقيقة» روسيا ونشاطات أخرى، جميعها دعوات تصل كرسائل نصيّة إلى هواتف السوريين تحت مسمّى «الفعاليات الشبابيّة الوطنية»، ما يجعل البلاد تبدو في حضرة حالة جديدة من منظمات المجتمع المدني التي أفرزتها الأحداث السورية منذ عام. وبينما يصف هؤلاء الموالون أنفسهم بـ«الشباب المستقل الواعي العامل على بناء سوريا المتجددة»، فإن المعارضين لا يترددون في وصفهم بـ«الشبيحة»، جرّاء بعض ما يقومون به من نشاطات أقرب إلى الاستفزاز بحسب تعبير المعارضين.
لعل مفهوم المجتمع المدني في سوريا هو أمر شبه مفقود في البلاد. لكن، في السنوات القليلة الماضية، بدأت تظهر إلى العلن عشرات الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تدعم مفهوم العمل التطوعي والنشاط الاجتماعي. غير أنّ معظم أنشطتها انحصر في المجالين الصحي والبيئي، إضافة إلى العمل الخيري، رغم الحضور الحاشد التي تمتعت به هذه الجمعيات بفضل تحالف سلطة الدعم المالي والعلاقات العامة وتعيين كبار رجال الأعمال في إدارات هذه الجمعيات، ما جعل انتشارها واضحاً. ومع بدء الأزمة في أرض الشام، بدأت تبرز إلى العلن منظمات وجمعيات شتى تتنافس في ما بينها على دعم السلطة ومؤازرة «مسيرة الإصلاح»، لتشهد شوارع دمشق والمدن السورية نشاطات شتى تتنوع تسميات منظميها، من «فريق دمشق التطوعي» و«بصمة شباب سوريا» و«شباب العلم السوري» و«نسور سوريا» وغيرها.
يعرّف «شباب فريق دمشق التطوعي» عن أنفسهم بكونهم الأقدم، حيث بدأوا عملهم في عام 2005، لكن توجههم تغيّر بعدما جرى احتضان الفريق من قبل محافظ دمشق بشر الصبان، إذ جرى تغيير توجُّه عمل الفريق، فأصبحت خطة عمله لا تعتمد على المشاركة في الفعاليات الآنية التي تنتهي بانتهاء المناسبة فحسب، بل تتخطّى ذلك لتؤدّي دوراً أكبر عبر تنفيذ مشاريع تنموية تساعد الحكومة في تحولها إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، وتعمل على تعزيز مبدأ المسؤولية الاجتماعية لدى الجميع وتنمية حس المسؤولية للفرد لجعله شريكاً في المحافظة على الخدمة العامة. وتنوّعت نشاطات «شباب فريق دمشق التطوعي» بين حملات لشرح الدستور الجديد، والتظاهر لاستقبال وزير الخارجية الروسي، «الرفيق» سيرغي لافروف، أو التوقيع على رسالة كبرى بعنوان «المجلس الوطني لا يمثلني» لتسليمها إلى بعثة مراقبي الجامعة العربية.
في المقابل، يقول منظّمو «تجمع شباب العلم السوري» عن أنفسهم إنهم «كتيبة ضخمة من الشباب السوري الواعي والمتميز بعمله الميداني والمستعدّ للعمل الدائم والمستمر عبر الحملات الفعالة والمرئية». ويشيرون إلى أن الكوادر الأساسيين لـ«تجمع شباب العلم السوري» هم «أبناء سوريا وشبابها الهادفون إلى بعث رسالة صحيحة ودقيقة عن الشعب السوري ووعيه وإرادته القومية، إذ إن فعالياتنا بالكامل تجري بالتعاون مع الشعب السوري الأبي بكافة أطيافه». ويتابع هؤلاء أنه «لإدراكنا بواجب الوقوف صفاً واحداً شعباً وقيادة في مواجهة المؤامرة الخارجية، قرّرنا الالتزام بإطلاق الحملات الميدانية والمعنوية». ومن بين أبرز نشاطات هؤلاء الموالين:
حملة رفع أكبر علم سوري بطول 2300 متر وعرض 18 متراً، رُفع في دمشق ضمن حشد كبير، ومن ثم في باقي المحافظات السورية. كذلك كان لافتاً قيام الفريق بحملة «أكبر انتساب لحزب البعث العربي الاشتراكي»، وأخيراً نصب تمثال للجندي السوري في ساحة الأمويين وسط دمشق.
وفي السياق، نشطت منظمات أخرى في التظاهر أمام السفارات الغربية والعربية واقتحام بعضها، كالقطرية والإماراتية، بعد صدور قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا. في المقابل، تسيّر هذه المنظمات الموالية تظاهرات، آخرها كان قبل يومين أمام السفارة الروسية في دمشق، لشكر موسكو ولتهنئة الرئيس فلاديمير بوتين بفوزه. وبالطبع، بذلت تلك المنظمات جهداً كبيراً خلال دعوات المعارضة لتنفيذ «إضراب الكرامة» والعصيان المدني «منعاً لتخريب البلاد» على حدّ قولها. ورغم إصرار معظم هذه الفعاليات على أنها لا تتلقّى تمويلاً من السلطة أو من مقربين منها، وأنها تموِّل نفسها بنفسها، فإنّ عدداً من النشطاء في البلاد تحدثوا عن دعم تتلقاه هذه المنظمات من كبار رجال الأعمال أو ممن يعملون هم أو أسرهم تحت راية السلطة. ويبدو أن هذا التمويل يغطّي كافة ما تقوم به من أنشطة تتطلب طباعة للافتات وشعارات على الملابس، إضافة إلى تجهيزات ضخمة للصوت والأعلام السورية وغير السورية ذات الحجم الكبير، فضلاً بالطبع عن الإعلان عن كل ما يقومون به في وسائل الإعلام وعبر شركات الهاتف المحمول. ويؤكد المنضوون تحت هذه المنظمات أن جميع فعالياتهم ومسيراتهم مرخَّصة بموجب قانون التظاهر السلمي. ويشكّك المعارضون في صدقية هذا الكلام، مستدلين بحديث وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن ضرورة حماية البعثات الدبلوماسية، وذلك إثر التظاهرات الغاضبة التي شهدتها سفارات أو مقار إقامة السفراء في عاصمة الأمويين والهجمات عليها.
في جميع الأحوال، فإنّ دور النظام ووسائل إعلامه لا يمكن إغفاله، وتغطي الأخيرة على نحو متواصل هذه المسيرات الموالية وتفرد لها مساحات بثّ كبرى، وخصوصاً في دمشق وحلب واللاذقية.