تونس | شهدت تونس، أول من أمس، فصلاً جديداً من مسلسل الاعتداءات السلفية، في ظل غياب شبه كامل لدور الدولة في حماية المؤسسات العامة، وخاصة الجامعات التي تشهد منذ أشهر أعمال عنف متكررة يقوم بها شباب الحركات السلفية على خلفية منع الطالبات المنقبات من المشاركة في الدروس والامتحانات من دون الكشف عن وجوههن للتثبّت من هوياتهن. وشهدت كلية الآداب والفنون والعلوم الإنسانية في منوبة، قرب العاصمة، مواجهات عنيفة خلال تجمّع احتجاجي نظّمه السلفيون أمام مدخل الكلية. وجاءت هذه التظاهرة إثر إصدار المجلس العلمي للكلية قراراً بمعاقبة 6 طلبة سلفيين وإيقافهم عن متابعة الدروس لمدة 6 أشهر، بسبب إثارة البلبلة وعرقلة عمل الجامعة، خلال الاضطرابات والاعتصامات التي أدت إلى وقف الدروس طيلة 6 أسابيع في كانون الأول وكانون الثاني الماضيين.
لكن الأمور سرعان ما تطورت إلى مواجهات دامية مع الطلبة المنضوين في «الاتحاد العام لطلبة تونس»، ذي التوجه اليساري، إثر إنزال عناصر سلفية العلم التونسي المثبّت على سقف المبنى الإداري للكلية، واستبداله براية سوداء تحمل عبارة «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» يسمّيها السلفيون التونسيون «علم الخلافة».
ونشبت المواجهات بين السلفيين والطلبة اليساريين إثر الاعتداء على الناشطة في «الاتحاد العام لطلبة تونس»، آمال العلوي، حين حاولت إعادة العلم الوطني إلى مكانه. والعلوي من الرموز الطلابية البارزة، واشتهرت بمواقفها الصلبة خلال اعتصامات عام 2009 ضد نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وحيال رفْض قوات الشرطة التدخل، أدت المواجهات إلى تعطّل الدروس تماماً، وخصوصاً بعد «وصول إمدادات قوية من الشبان الملتحين من خارج الكلية، ليشاركوا في أعمال العنف»، وفقاً لتصريحات عميد الكلية، الدكتور الحبيب الكزدغلي.
ونقل شهود عيان لـ«الأخبار» أنّ المواجهات أشاعت حالة من الفوضى والرعب، بعد تسجيل عشرات الإصابات بين الطلبة الذين اشتبكوا مع السلفيين. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل اعتدت الجماعات السلفية على الصحافيين الذين توافدوا إلى كلية منوبة لتغطية الأحداث، ما أرغم غالبية الإعلاميين على اللجوء إلى معهد الصحافة المجاور.
وأثارت حادثة إنزال العلم استياءً واسعاً لدى الرأي العام التونسي، فيما نددت المعارضة بـ«الغياب المريب للقوات العمومية، وتقاعسها في ضبط الأمن، وحماية مؤسسات الدولة ومقدساتها». ووصف بيان لرئاسة الجمهورية التونسية إنزال العلم بأنه «اعتداء على أحد أهم الرموز الوطنية». وتابع أن «الاعتداء على العلم اعتداء على أحد رموز الوعي الوطني والجماعي، ومن هذا المنطلق فهو عمل جبان ومدان ويشكل جريمة في حق الوطن والشهداء».
ودعا الرئيس منصف المرزوقي السلطات الأمنية والقضائية التونسية إلى «التعامل مع هذه الحادثة وأي حوادث مشابهة بأقصى درجات الصرامة والقوة، حتى لا يتجرّأ أحد بعد ذلك على المس بالراية الوطنية».
كذلك دعت حركة «كلنا تونس» إلى التجمع أمام المجلس الوطني التأسيسي «للدفاع عن مبادئ المواطنة وحرمة الوطن وسيادته». واستنكرت الحركة «دوس حرمة المؤسسة الجامعية من دون أي ردّ فعل من الحكومة»، مطالبة رئيس الدولة ورئيس الحكومة «بموقف صارم يرقى إلى مستوى ما حصل من انفلات وتجاوزات لا يمكن اليوم السكوت عنها». واجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي موجة عارمة من الاستياء على «واقعة إهانة العلم الوطني». واستبدل العديد من النشطاء صور العلم التونسي بصورهم على «فايسبوك»، بينما وضع آخرون صور الناشطة اليسارية آمال العلوي التي تحدّت السلفيين.