لم تنتهِ بعْد التداعيات السياسية والاجتماعية حول ما قِيل من أنها مجزرة مخطَّط لها، ارتكبتها جهات متشددة بحق مجموعات من المراهقين والشباب العراقيين الذين يُطلق عليهم اسم «الإيمو»، ويتهمهم المحافظون، بالمثلية الجنسية وعبادة الشيطان وامتصاص الدماء...
آخر هذه التداعيات صدور تصريح، اعتبره كثيرون بمثابة «فتوى»، أدلى به الشيخ عبد الرحيم الركابي، معتَمَد المرجع الأعلى السيد علي السيستاني في بغداد. الشيخ الركابي قال إن قتل هؤلاء الشباب هو «عمل إرهابي وإجرامي والإسلام يدينه لأنه يرفض كل أشكال التصفيات الجسدية ويدعو إلى التعايش السلمي بين الناس». فتوى استقبلتها أوساط عديدة بارتياح. لكنّ أخبار القتل تواصلت، مع أنباء عن هروب واسع النطاق للمستهدَفين إلى خارج البلاد، أو إلى مدن الإقليم الكردي الشمالي.
أنباء أخرى تحدثت عن اكتظاظ محال الحلاقة بالشباب الذين دفعهم الخوف إلى حلق شعرهم سواء كانوا من «الإيمو» أو لا، إضافة إلى ما يقال عن وجود قوائم بأسماء المهدَّدين بالقتل عُلِّقت في عدة أحياء من العاصمة.
قنوات فضائية رفعت عدد قتلى «الايمو» إلى أكثر من مئة، فيما تصرُّ وزارة الداخلية على أن قتيلاً واحد سقط في مدينة الصدر (الثورة سابقاً) لأسباب عشائرية بحتة. التيار الصدري أصدر بياناً نفى فيه مسؤوليته عن أي أعمال قتل، لكن ذلك لم يكن كافياً لإبعاد الاتهامات عنه. محللون مستقلون اتهموا وسائل الإعلام بالمبالغة في عدد القتلى، وتساءلوا لماذا لم تنشر هذه الوسائل ومواقع التواصل الاجتماعية أي صور للضحايا، باستثناء صورة واحدة تتكرر باستمرار. وقد ضجّت وكالات الأنباء المحلية ومواقع التواصل العراقية بأخبار وتعليقات وبيانات حول ما وصفت بأنها «مجزرة بشعة» ارتكبتها مجموعات وميليشيات متعصبة ضد مجموعات من المراهقين والشبان الذي يطلق عليهم «الإيمو»، وقتلهم بتحطيم الرؤوس بالطابوق والبلوك الحجري أو بالرمي من مكان شاهق كما تنص إحدى الفتاوى القديمة.
و«الإيمو» مراهقون وشبان يتزيّنون بأزياء غريبة يغلب عليها اللون الأسود، و«مُتَّهمون» بأنهم مثليون جنسياً و«عبدة الشيطان». وقد نقلت وكالة أنباء محلية تصريحات لرئيس اللجنة الأمنية في المجلس المحلي في العاصمة بغداد، علي الشمري، قال فيها إن «الإيمو ومصاصي الدماء بدأوا بالظهور في عدد من أحياء العاصمة بغداد وخصوصاً في قضاء الكاظمية، وقد أبلغتنا مفارز الأمن الوطني والشرطة المجتمعية في المنطقة عن تحركات مريبة لأشخاص يقلدون ظاهرة إيمو»، مشيراً إلى أن هذه المعلومات تؤكد أن هؤلاء يقومون «بامتصاص الدماء من معاصم بعضهم البعض». وتابع الشمري أن «ظاهرة الإيمو غريبة على المدينة المقدسة وغير أخلاقية وأتباعها ينتهون بانتحار جماعي».
وما زاد الطين بلّة، تدخُّل المقدم مشتاق المحمداوي، مدير الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية، وهو جهاز يُسْمَع به للمرة الأولى، والذي رغم تقليله من شأن ظاهرة «الإيمو»، واعتباره تصريحات الشمري حول مصاصي الدماء وعبدة الشيطان نوعاً من «أفلام الأكشن»، عاد وأكد وجود الظاهرة، بل واعترف بأن وزارته تكافحها «لأننا نتخوف من الشذوذ الجنسي، وانتشار المخدرات، وبعض الممارسات الخاطئة، والانتحار، وإيذاء الجسد، ولم نكن ننوي سوى تنبيه أولياء الأمور إلى ضرورة الانتباه إلى سلوك أبنائهم الذين يقلدون الإيمو».
وكان أول مصدر لهذه الأخبار هو وكالة أنباء محلية كردية تدعى «شفق»، التي نقلت عن مصدر مسؤول في وزارة الداخلية قوله «إن 56 شخصاً من الإيمو قُتلوا في جميع محافظات العراق، وخصوصاً في بغداد وبابل». غير أنّ المقدم المحمداوي نفى تلك الأخبار إذ «ليست سوى محض شائعات، ولم نسجل في وزارة الداخلية سوى حالة قتل واحدة حصلت لشاب لا صلة له بظاهرة الإيمو». ولم يفت المحمداوي أن يزج بالإرهاب في الموضوع، حين اتهم «الإرهاب باستغلال الظرف وإشاعة الرعب في أوساط المجتمع».
عضو لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، النائبة سميرة الموسوي، قالت في حديث صحافي «نحن نجمع معلومات عن هذه الظاهرة، لأننا لا نملك أي تصورات علمية عنها، وليست لدينا أي خلفيات عن الموضوع، وستناقش القضية وفق ما سنحصل عليه من نتائج بحسب بيانات وإحصاءات». أما عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية عن «العراقية»، النائب حامد المطلك، فطالب «الجهات التي تتحدث عن مضايقات يتعرض لها ما يعرف بجماعة «الإيمو»، على مرأى ومسمع القوات الأمنية، بتقديم الأدلة على ذلك». ورأى المطلك أن استهداف شباب «الإيمو» واغتيالهم، بمثابة «جريمة يجب أن يحاسب عليها القانون، وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان».
وفيما غابت الأحزاب والشخصيات العلمانية واليسارية الكبيرة عن حملات التضامن مع الضحايا لأسباب، أعادها بعض المحللين إلى خشية هؤلاء من ردود أفعال الجمهور المحافظ ضدهم وخسارتهم لما تبقّى لهم من ثقل جماهيري متواضع، فإن تنظيمات مدنية قليلة وصغيرة، في مقدمتها «منظمة حرية المرأة»، التي تقودها الناشطة اليسارية ينار محمد، تحرّكت وأصدرت بيانات ونداءات تدين «المجزرة الوحشية ضد المثليين وطريقة قتلهم الفظيعة بإلقاء الضحايا من فوق أبنية مرتفعة كما حدث في البصرة»، أو «بتكسير رؤوسهم بقطع البلوك الكونكريت في بغداد». وقد توجه مصدرو البيان إلى «تحرريّي العالم والمنظمات النسوية والمثلية والإنسانية وحكومات العالم الأكثر تطوراً بأنّ تسلِّط ضغطاً على الحكومة العراقية لغرض توفير الحماية لمثليّي العراق». وفيما اتهم البيان المذكور ميليشيات دينية وطائفية بارتكاب هذه الجرائم، ربطت مصادر صحافية بين هذا الاتهام وبين ما قيل في بعض مواقع التواصل عن فتوى دينية أصدرها أحد رجال الدين، تقضي بوجوب قتل المثليين.