ماذا يعني أن تكون فلسطينياً ولاجئاً في لبنان؟ أن تحمل «كرت إعاشة» وأنت تعرف انه لا يفيدك بشيء؟ أن تعامل في بلد تربيت فيه كأجنبي حيناً وكلاجئ حيناً آخر؟ ماذا يعني أن تكون مدافن اللاجئين التي فاضت على آخرها غير مدافن اللبنانيين؟ وأن ينظر إليك بسبب هويتك على أنك إرهابي محتمل، أو «ازعر» محتمل، او «حرامي» محتمل، او «مشكلجي» محتمل؟ ماذا يعني أن تعيش في مخيم لا تستطيع أن تهمس لزوجتك سراً مخافةً من أن يسمعه جيرانك؟ وأن تكون في بلد يتدخل فيه الجيش اللبناني ليحدد لك قطر «قسطل» مياه الصرف الصحي الذي يجب أن تمده في بنى المخيم التحتية مخافة أن تستخدمه يوماً ما كنفق ضده؟ ماذا يعني أن تمنع من استئجار أرض ليدفن أبناء جلدتك بعضهم بعضاً، بالقرب من مطار بيروت الدولي خوفاً من تهديد أمواتك لأمن الملاحة الجوية وسلامتها. ماذا يعني أن نسمع يومياً «على الريق» صباحاً، ومساء من يتهمنا بأننا نريد التوطين، ونتهم بأن كل مشاكل البلد نحن أصلها وفصلها وأن البلد لن يتطور بسبب وجودنا على هذه الأرض، وأن نكون شعباً لاجئاً على مدى 64 عاماً، ويتم تحويلنا بطريقة ممنهجة إلى شعب يقف على أبواب الجمعيات لطلب المساعدات؟ ماذا يعني أن نعامَل بطريقة توحي بأنه يجب على الفلسطيني أن يذّل ليتمنى أن يُطرد من هنا، أو نعامل بطريقة تشعرنا كأنكم تطلبون منّا أن نرحل بأنفسنا عن هذا البلد الذي أحببناه وعشنا فيه وشاركنا أهله أحزانهم وأفراحهم؟
كيف يمكننا تبرير السياسة التي تتبعها الدولة عبر تحويل الفلسطيني إلى مجرد «مسلم فقير»؟ فالفلسطينيون المسيحيون جنسوا في عهد كميل شمعون، ألا يعد هذا توطيناً؟ أما الفلسطينيون الأغنياء فجنّسوا للاستفادة من أموالهم، والفلسطيني اللبناني صاحب بنك عودة، ريمون عودة، أكبر دليل. عودة لم يجنّس فحسب بل أصبح وزيراً للمهجرين، في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2008.
التجنيس لم يقتصر على «المسيحي الغني» فلا ضير من الاستفادة من «المسلم الغني»؟ ورفعت النمر وابنه رامي دليلان على ذلك. فالوالد صاحب بنك «فيرست ناشونال بنك» وقد ورثه ولده. رامي لم ينس فلسطين ولا يزال يدعم أبناء المخيمات من خلال دعم جمعيات المسنين.
من بقي من اللاجئين إذاً؟ لم يبق أحد غير الفلسطيني المسلم الفقير «المعتر»، ذلك القابع في المخيمات. ذلك اللاجئ الذي كفر بكل شيء من حوله. كفر بمسؤولي الفصائل الذين لا يهتمون بغير كراسيهم وسلطتهم ونفوذهم، والأزقة والزواريب التي يسيطرون عليها. «العترة» على ذلك اللاجئ الذي يموت في اليوم الواحد آلاف المرات، لكسب قوت يومه. «العترة» على ذلك الفقير الذي يخاف خير السماء، كي لا «ينشّ» بيته أو يطوف عليه مياه صرفه الصحي. «العترة» على من صعب على اللاجئ الفلسطيني حقه في العمل نكاية بوزير سابق. أما الأنكى من هذا وذاك فهو اليمين اللبناني الذي لا يزال ينظر إلى الفلسطيني كـ«غريب» يجب اضطهاده. فهذا اليمين انفعل عندما قام وزير العمل السابق شربل نحاس بتسهيل إجازات العمل للفلسطيني لماذا؟ «لأنّ ذلك سيسهم في التوطين»، كما قالوا.
ممنوع علينا أن نعمل لأن ذلك سيسهل التوطين. ممنوع علينا أن نتملك لأنّ ذلك يسهل التوطين. ممنوع أن ندرس في بعض الاختصاصات لأن في ذلك وجهاً من أوجه التوطين. ربما الشيء الوحيد المسموح به هو أن نموت لأنّ ذلك يكافح التوطين.