أظهرت لقطات فيديو بثها التلفزيون الرسمي السوري ولقطات بثها الناشطون عبر الإنترنت مقتل عشرات المدنيين في حمص. وتبادلت الحكومة والمعارضة الاتهامات بأن الطرف الآخر مسؤول عن أعمال القتل في حمص. وأظهرت لقطات وضعها نشطاء للمعارضة على موقع اجتماعي على الإنترنت رجالاً ونساءً وأطفالاً قتلى في غرفة غارقة بالدماء. وبث التلفزيون الحكومي أيضاً لقطات لقتلى مدنيين في كرم الزيتون في حمص. وقالت لجان التنسيق المحلية، وهي شبكة لنشطاء المعارضة، إن 45 امرأة وطفلاً طعنوا وأحرقوا في كرم الزيتون. وأضافت أن سبعة آخرين ذبحوا في حي جوبر المتاخم لحي بابا عمرو.
في المقابل، نقلت وكالة الأنباء السورية «سانا»، عن مصدر إعلامي أن الصور التي تعرضها بعض الفضائيات هي من جرائم المجموعات الإرهابية بحق الأهالي الذين اختطفتهم وقتلتهم في حمص. وقال المصدر إن المجموعات الإرهابية المسلحة تختطف الأهالي في بعض أحياء حمص وتقتلهم وتمثّل بجثامينهم وتصورهم لوسائل إعلام بهدف استدعاء مواقف دولية ضد سوريا. وأضاف المصدر: «اعتدنا تصعيد المجموعات الإرهابية لجرائمها قبيل جلسات مجلس الأمن بهدف استدعاء مواقف ضد سوريا».
وقالت «سانا» إن «ما تسمى كتيبة الفاروق وثقت مسؤوليتها عن الجريمة بكتابتها على أحد جدران المنزل: (كتيبة الفاروق مرت من هنا)، حيث قضت عائلة بأكملها ضحية الإرهاب الذي تنفذه هذه الميليشيا الإجرامية الإرهابية». وروى أهالي عدد من الأحياء في حمص لأخبار التلفزيون السوري أن «الصور التي عرضت هي لأقارب لهم وأنهم تعرفوا إلى بعض جثث ذويهم الذين خطفتهم المجموعات الإرهابية المسلحة وقتلتهم».
واتهم وزير الإعلام السوري عدنان محمود «مجموعات إرهابية» بارتكاب «أفظع المجازر بحق المواطنين في حي كرم الزيتون في حمص لاستغلال سفك الدماء السورية بهدف الضغط لاستدعاء مواقف دولية ضد سوريا». وقال محمود «إن بعض الدول التي تدعم المجموعات الإرهابية المسلحة مثل قطر والسعودية هي شريكة في الإرهاب الذي يستهدف الشعب السوري في كل أطيافه ومكوناته، وتتحمل مسؤولية نزف الدم السوري من خلال دعمها للمجموعات الإرهابية المسلحة بالمال والسلاح».
بدوره، قال عضو «الهيئة العامة للثورة السورية» هادي العبدالله إنه «عثر على جثث ما لا يقل عن 26 طفلاً و21 امراة في حيَّي كرم الزيتون والعدوية، بعضهم ذبحوا وآخرون طعنوا على أيدي الشبيحة». وبث ناشطون أشرطة فيديو وصوراً مروعة عن الضحايا تظهر فيها رؤوس أطفال مدمّاة ومشوهة، وجثث متفحمة. وذكر العبدالله أن «عناصر من الجيش السوري الحر تمكنوا من نقل الجثث إلى حي باب السباع»، ما مكن الناشطين من تصوير الجثث.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن مئات العائلات نزحت ليل الأحد الاثنين من بعض أحياء حمص بعد المعلومات عن «المجزرة»، «خوفاً من مجازر جديدة». وأشار إلى أن النزوح حصل من أحياء كرم الزيتون خصوصاً وباب الدريب.
ودعا المجلس الوطني السوري المعارض أمس إلى «جلسة عاجلة» لمجلس الأمن، وقال إنه «يجري الاتصالات اللازمة مع كافة المنظمات والهيئات والدول الصديقة للشعب السوري بغية الدعوة إلى عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن». وجاء في بيان المجلس، الذي تلاه عضو جورج صبرا في إسطنبول: «نطالب بعمليات تسليح منظم لكتائب الجيش الحر الميدانية وبأقصى سرعة داخل البلاد».
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الجيش السوري بات مسيطراً على نحو 70% من مدينة حمص، وأن بعض الأحياء في حمص القديمة لا تزال خارجة عن سيطرته. وهناك أجزاء من كرم الزيتون لا يزال المنشقون موجودين فيها، بينما أجزاء أخرى أصبحت خلال الأيام الماضية تحت سيطرة الجيش، و«قد وقعت المجزرة فيها»، بحسب المرصد.
وتأتي هذه التطورات غداة زيارة للموفد الدولي الخاص كوفي أنان لسوريا، التي لم يجر التوصل خلالها إلى اتفاق لوقف العنف المستمر منذ عام في البلاد.
وأطلع مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي أنان أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني ووزير الخارجية حمد بن جاسم على «نتائج زيارته الأخيرة لسوريا»، فيما صرح لقناة «الجزيرة» بأن «الوضع خطير للغاية في سوريا». وغادر أنان الدوحة ظهراً متوجهاً إلى تركيا. وقال متحدث باسم أنان إنه سيلتقي اليوم بممثلين للمجلس الوطني السوري في أنقرة، والتقى كذلك رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية عبد الله غول.
وفي نيويورك، دعت الدول الغربية خلال اجتماع في مجلس الأمن الدولي مجدداً روسيا والصين إلى العمل معها على إنهاء أعمال العنف في سوريا. وقطع وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، الطريق على هذه الضغوط، معتبراً أمام مجلس الأمن أن العقوبات التي تفرض من طرف واحد ومحاولات الدفع لتغيير النظام في سوريا والتشجيع الذي تحظى به المعارضة المسلحة في سوريا، تمثّل «وصفات خطرة للتلاعب الجيوسياسي».
وكان اجتماع مجلس الأمن مخصصاً أصلاً للربيع العربي، لكن الوضع في سوريا «ألقى ظلالاً كبيرة على النقاش»، كما قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، الذي ترأس الجلسة. ووجه هيغ ونظيره الفرنسي آلان جوبيه ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون نداءات إلى روسيا والصين، اللتين عطلتا باستخدام حق النقض قرارين أمميين، إلى مراجعة موقفهما. ودعا جوبيه «الصين وروسيا إلى الإنصات لصوت العرب والضمير العالمي والانضمام إلينا» في إدانة القمع في سوريا.
ورأى أن على السلطات السورية أن «تحاسب على أفعالها أمام القضاء» الدولي، ودعا إلى «إعداد الظروف لإحالة» الملف السوري على المحكمة الجنائية الدولية.
وطلب وليام هيغ من مجلس الأمن التحلي «بالوحدة وأداء دور قيادي»، مبدياً أسفه لأن المجلس «فشل حتى الآن في تحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوري».
وقالت كلينتون خلال الاجتماع إن «على المجتمع الدولي أن يقول بصوت واحد، من دون تردد (...)، إن عمليات قتل السوريين الأبرياء يجب أن تتوقف وأن تبدأ عملية الانتقال السياسي»، داعية إلى تأييد مبادرة الحل التي قدمتها جامعة الدول العربية. وبالمثل دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مجلس الأمن إلى دعم مهمة الأمين العام السابق وموفده إلى سوريا كوفي أنان. وقال: «أدعو مجلس الأمن إلى العمل بنحو موحد لوضع حد للعنف ودعم مهمة أنان لمساعدة سوريا على تجنب كارثة أكبر».
لكن هذه الدعوات لم تقنع لافروف، الذي أقر مع ذلك بأن «السلطات السورية تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية عن الوضع الحالي». إلا أنه أكد أن التغييرات في العالم العربي «لا يمكن بلوغها عبر خداع المجتمع الدولي ولا عبر التلاعب بمجلس الأمن»، في الأزمة السورية، كما حصل سابقاً في ليبيا. وانتقد كل وسائل الضغط التي تمارس على دمشق، بدءاً من «المطالبة بتغيير سريع للنظام، وفرض عقوبات منفردة هدفها وضع النظام في موقف صعب وخلق توتر اجتماعي وتشجيع المعارضة على مواصلة المواجهة مع السلطات، بدلاً من التشجيع على الحوار». وقال إن كل هذه «الوصفات الخطرة» ليس من شأنها سوى أن تسهم في «إطالة أمد النزاع».
ومن جانبه، أعلن السفير الصيني لي باودونغ أن بلاده تعارض أي تدخل عسكري وأي محاولة لتغيير النظام في سوريا، مشدداً على ضرورة «التحاور مع كافة الأطراف على قدم المساواة».