القاهرة | رغم القضايا الداخلية التي تشغل الشارع المصري هذه الأيام، إلا أنّ القاهرة تعيش الهمّ السوري وكأنه همّ محلي. آلاف السوريين الهاربين من لعنة الرصاص التي أصابت بلادهم انضموا إلى جالية من السوريين المقيمين أصلاً في مصر. هكذا، اتحدت سوريا مجدداً مع مصر مجازياً، مثلما حصل ذات زمن في الخمسينيات. وقد أحضر السوريون معهم آلامهم وحكايات الخوف المستمر هناك وأفكارهم لبناء وطنهم الذي وصل إلى حافة الهاوية، وجلبوا معهم بالطبع خلافاتهم المستجدة.
يتوزّع معظم هؤلاء في القاهرة، فيما يفضّل آخرون ممّن قرروا طلب العلم، التوجُّه إلى منطقة «ستة أكتوبر» أو المنصورة ليبقى عدد قليل منهم في الإسكندرية. يتفق الجميع، عند لقائهم بوسائل الإعلام، على الخشية والحذر؛ فحتى هنا، «لا نزال ملاحقين من مؤيدي السلطة أو من شبيحة مصر»، على حد تعبير أحدهم، وهو ما دفع الكثيرين أيضاً إلى رفض الكشف عن هوياتهم كاملة، خوفاً من تعرض أسرهم في سوريا للتنكيل، وهو ما حصل بالفعل مع بعضهم، وفق ما يؤكدونه. هكذا، يتحدث عبد الله (24 سنة ـــــ طالب جامعي) عن رحلة السفر من سوريا إلى مصر، بعدما أوهم المحيطين به بأنّ أجهزة الأمن السوري اعتقلته؛ وذلك ليتمكن في المقابل من الخروج بهدوء إلى لبنان، ومنه إلى مصر. ويعلّق على الموضوع قائلاً إنه «رغم اتباعي كل وسائل الحيطة في مدينتي حلب، لكن رسائل التهديد لي ولعائلتي لم تتوقف، وعندما شعرت بأن الأمر قد استفحل، آثرت التوجه إلى هنا». ويعلّق الشاب على اختياره مصر بدلاً من البقاء في الجوار كتركيا أو لبنان والأردن، فيؤكد أن «الحياة تبدو أكثر بساطة من الناحية المادية هنا مقارنة بباقي دول الجوار»، إضافة إلى معرفة عبد الله بمصر التي سبق له أن زارها مراراً، ما سهّل عليه الاستقرار في مصر. كلام عبد الله يوازيه كلام آخر لشاب من حمص فضّل حتى عدم ذكر اسمه الأول بعدما تعرّض لحملات تخوين كبيرة من عشرات السوريين في أم الدنيا، رغم أنه ليس مؤيداً للنظام، بل بسبب إصراره وتمسكه «بالخيار السلمي للثورة» على حد تعبيره. ويشير المعارض الحمصي إلى الأذى الذي لحق به جراء دفاعه عن المعارض هيثم مناع إبان تعرضه للاعتداء مع زملائه في «هيئة التنسيق» أمام الجامعة العربية في تشرين الثاني الماضي، فاتُّهم في حينها بـ«المتاجرة والاستخفاف بدماء الشهداء والمعتقلين في سوريا»، إضافة إلى اعتبار أنّه، وفريق «السلمية»، هم السبب في وصول الحال في سوريا إلى ما هي عليه اليوم.
أكثر من ذلك، فإنّ محاورنا الحمصي يكشف أنّ الفريق المعارِض الذي اعتدى عليه وعلى مواطنيه في القاهرة، وصل به الحال إلى حدّ اتهامه بـ«التعامل مع الأمن». ويصل الأمر بمحدثنا إلى الإقرار بأنّ «الخوف في مصر من شبيحة المعارضة أكبر مما هو من شبيحة النظام، فالبعض هنا بات يعتقد أنه يجوز له ما لا يجوز لغيره، والويل لمن يخالفه الرأي». ويرى الرجل أن المعارضة السورية في القاهرة أضعف من أن تتخذ قراراً باستقلالية، ولا يزال الكثيرون منهم يفضلون البقاء في الفنادق الفخمة، فيما يعاني معظم القادمين إلى مصر من صعوبة الحصول على مسكن، «بينما البعض مستمر بحملات لجمع التبرعات، سواء لدعم المصابين أو لدعم الجيش الحر، وأشك في أن هذه التبرعات تصل بالفعل».
في المقابل، يلفت وليد (22 سنة ـــــ صيدلاني) إلى أن الحل في سوريا «لا بد أن يكون سياسياً»، وهو يقف مع أي مبادرة تهدف قبل أي شيء «إلى وقف النزف المستمر في البلاد». لكنه يعترف في المقابل بصعوبة التواصل مع أبناء بلاده المقيمين في مصر بهذه الأفكار. لذا، بات يفضل ابن مدينة حماه عدم الخوض معهم في أي حديث إلا بشؤون الوطن، وخصوصاً أنّ النسبة العظمى من السوريين في مصر قدمت إثر اندلاع الاحتجاجات في آذار الماضي، وبالتالي فهم على دراية تامة بالمشهد السوري. لكن حتى هؤلاء، «كثيراً منهم لا يزالون متمترسون براية الانتقام أو التسلح أو تقديس الجيش الحر، وهو ما يجعل مسألة الحوار مع أيٍّ منهم صعبة للغاية». وعن التواصل مع شخصيات المعارضة، يعرب وليد عن استيائه من طرفَي المعارضة، «المجلس الوطني» و»هيئة التنسيق»؛ فكثيرون منهم «يصرّون على التمسك بأفكارهم وعدم الخوض في أي نقاش».
بدورها، تبذل أمل (26 سنة ـــــ مترجمة) جهداً كبيراً «لإيصال صورة حقيقية عن الثورة السورية تجاه الرأي العام المصري، لمحاولة إبعاد مفهوم المناطقية والطائفية عما يحصل في الشام». وتختصر حديثها بالكشف أنها تركت السياسة لمن يهتم بها، «فلا شأن لي بما يخططون، ما يهمني هو عدم استغلال دماء من سقطوا والمتاجرة بها لمنافع أخرى».