غزة | لم تكن تعلم أم محمد عسلية (48 عاماً) أن طائرات الاحتلال ستقدم هذه المرّة أيضاً على اغتيال طفلها أيوب (12 عاماً)، لينضم إلى أخويه الآخرين، اللذين اغتالهما المجرم نفسه في سنوات سابقة، بعدما أقدمت طائرات حربية إسرائيلية على قصف محيط منزل عائلة عسلية شرق جباليا شمال قطاع غزة، بدعوى استهداف رجال المقاومة الذين يطلقون الصواريخ باتجاه البلدات والمدن الجنوبية.
ولم تستطع الوالدة المنكوبة أن تتمالك نفسها، حين وصل نعش أيوب إلى منزله ليلقي أهله نظرة الوداع عليه، فأُصيبت بنوبة هستيرية رافضة التصديق أن طفلها، الذي أعدّت له طعامه وحقيبة مدرسته قبل دقائق ذهب ولن يعود إليها ثانية، فأخذت تناديه: «يما يا أيوب وين رايح وسايب شنطتك، ما تروح على المدرسة من غيرها الأستاذ بضربك»، لتنهار بعدها من البكاء.
تصمت أم محمد لحظات قليلة، ثم تصرخ ثانية وتقول: «يا ربي كل سنة يروحلي واحد شو ذنب ولادي، شو عملوا لتقتلهم إسرائيل؟ يا رب رحمتك يا الله». وبعد محاولات منها لتتمالك نفسها، تروي اللحظات الأخيرة التي شاهدت فيها طفلها «استيقظت باكراً وأنا أشعر بأن مكروهاً ما سيصيب أحد أبنائي، لكن كعادتي كنت أُعدّ الطعام لأبني قبل ذهابه إلى المدرسة حيث طلب مني ساندويشاً من البطاطا، أعددته له وأنا أشعر بأنه سيكون الأخير. أخذ ابني الطعام، وأكل نصفه وطلب مني أن أخبئ الباقي منه خوفاً من أن يأكله إخوته لأنه تأخر عن مدرسته».
تتابع ودموعها تسيل على خديها: «وقبل أن يخرج نظر إلي بابتسامة وكأنه يودعني، وسألني أن أشتري له حذاءً جديداً، رافضاً أن يخرج قبل أن أعده، وعد شرف، بأن أشتري له واحداً حين يتسلم والده الراتب». وتضيف: «لحظات قليلة بعدها سمعت صوت صاروخ إنذار يسقط من طائرة استطلاع، بمحيط منزلنا وبعدها مباشرة صوت دوي انفجار ناجم عن قصف، شعرت عندها بأن ابني أصابه مكروه. خرجت مسرعة، فوجدته على الأرض وجسمه انقسم نصفين، وفارق الحياة، سقطت على الأرض ولم أشعر بما يدور حولي بعدها».
وبدا الحزن واضحاً على جميع المعزّين، متألمين للحظة الوداع التي تكرّرت ثلاث مرات لعائلة عسلية. فقد استشهد قبل ذلك الابن الأكبر محمد عسلية، وهو من تنظيم جيش الإسلام، بعملية اغتيال له ولرفاقه الأربعة عام 2008، في مدينة خان يونس، على خلفية اتهامه بتنفيذ عملية أسر الجندي جلعاد شاليط عام 2006، إضافة إلى شقيقه الآخر الذي اغتالته أيضاً الطائرات الإسرائيلية في عام لاحق.