دمشق | لم تعد الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد السوري خافية على أحد. فعلى الرغم من محاولة الحكومة السورية عام 2005 فك ارتباط العملة الوطنية بالدولار الأميركي، والتعامل باليورو، على أثر العقوبات التي أقرّها مجلس الأمن بعد اتهام النظام السوري باغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلا أنّ تعدّي سعر صرف الدولار ضعف ما كان عليه قبل أشهر قليلة، يمكن اعتباره مؤشراً خطيراً يُنبئ باقتراب الكارثة التي يخشاها السوريون، بعدما فقدت عملتهم حوالى 35 إلى 50 في المئة من قيمتها الشرائية، مع احتمال ازدياد هذه النسبة خلال الفترة المقبلة.
وفي قراءة سريعة لتاريخ الأزمات الاقتصادية في سوريا، نجد أن النظام نجح سابقاً في استثمار الأزمات السياسية في المنطقة، وجيّرها لمصلحته. ففي عام 1967 تلقّى النظام أموالاً طائلة من الدول العربية، على اعتبار أنه كان في حالة حرب مع الكيان الصهيوني، هذا ما تكرر أيضاً عام 1973 في حرب تشرين، وعام 1976 عندما دخلت القوات السورية إلى لبنان، بمباركة عربية ودولية.
وفي عام 1982، ضمن الرئيس الراحل حافظ الأسد إعفاءً كاملاً من ديونه للاتحاد السوفياتي السابق، عندما تصدّت قواته للغزو الإسرائيلي في لبنان، ولقاء تأييد معلن لغزو القوات السوفياتية لأفغانستان. كذلك تلقّى النظام عام 1991 دعماً مالياً كبيراً من دول الخليج، تحديداً من دولة الكويت، كرد جميل على دعم قوى التحالف الدولية في حربها على العراق الذي غزا الكويت في ذلك الوقت. أما شهر العسل للاقتصاد السوري فقد بدأ عام 1997 عندما بدأت تتدفق أموال العراق إلى الأراضي السورية، بعد العقوبات الجائرة التي فرضها المجتمع الدولي على بلاد الرافدين.
قبل بداية الأحداث السورية في 15 من آذار الماضي، كان الاقتصاد السوري يعيش مرحلته الذهبية، هذا ما كان يعلنه بشكل غير مباشر ثبات سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار وبقية العملات الأجنبية الأخرى، وازدياد عدد البنوك الخاصة، وافتتاح بورصة دمشق للأسهم. لكن على الرغم من كون سوريا بلداً صغير بالمساحة وعدد السكان، والمواد الخام الموجودة فيه قليلة نسبياً مقارنة بدول الجوار، كانت البنوك السورية تكدّس في خزائنها ثالث أكبر احتياطي من النقد الأجنبي في العالم العربي، يقدر ما بين 12 و 17 مليار دولار. وإذا ما قورنت هذه الأرقام بحجم التداول بين حجم المدخرات، وبين حجم الصادرات، تكون النتيجة أن المدخرات تعادل حجم المستوردات الداخلة إلى السوق السورية خلال حوالى 8 أشهر، وهي المدة الزمنية نفسها التي احتاج إليها الاقتصاد السوري للدخول في مرحلة الانهيار السريع لسعر الليرة السورية خلال الشهرين الماضيين.
ويشير خبراء ومحللون اقتصاديون لـ«الأخبار» إلى أن أحد أهم عوامل استقرار الاقتصاد السوري، خلال العشرة أعوام الماضية، هو قدرة النظام على التخلص من نسبة كبيرة من ديونه الواجب دفعها إلى دول المنظومة الاشتراكية سابقاً. واستطاع تكريس «استراتيجية الباب الخلفي في السياسة الخارجية» التي حققت استقراراً اقتصادياً وسياسياً، ما جعل أصحاب القرار السياسي في سوريا يتجاهلون تماماً مسألة الإصلاحات السياسية والاجتماعية والديموقراطية الداخلية، وكأن لسان حالهم يقول «ما دام الاقتصاد بخير، ونحن قادرون حتى اللحظة على السيطرة عليه، فما حاجتنا إذاً إلى جميع الإصلاحات التي من الممكن أن تضرّ بمصالحنا ونفوذنا؟».
لا يستبعد معارضون للنظام أن يكون السبب الرئيسي لاشتعال الانتفاضة اقتصادياً، بعدما ضاقت الطبقة الفقيرة والمتوسطة ذرعاً ببنية المجتمع السوري الآخذة في التزايد العددي، إضافة إلى بقية العوامل الأخرى مثل غياب الديموقراطية، وانعدام حرية التعبير أو وجود قانون إعلام أو انتخابات، عادل. وكان السوريون يأملون بإحداث تغيير مع وصول الرئيس السوري الشاب بشار الأسد إلى الحكم، لكن بقيت مسوّدات القوانين والإصلاحات حبيسة الأدراج لسنوات طويلة جداً، واستعيض عنها بعملية ترقيع.
في الشهرين الأخيرين، فقدت العملة حوالى 40 في المئة من قيمتها الشرائية. أما أسعار جميع المواد الغذائية والسلع المختلفة، فقد ارتفعت بدورها بشكل جنوني.
ولا تستبعد مجموعة من شباب جامعة دمشق أن تأخذ الحرب على سوريا شكل «الحصار الاقتصادي الذي سيكون أصعب بكثير من الذي عاشه آباؤنا في ثمانينيات القرن الماضي». ويقول طالب الاقتصاد عيسى: «العقوبات الاقتصادية متوقعة بشدة، بعدما فشل مجلس الأمن الدولي في إصدار قرار إدانة للنظام السوري. وبغض النظر عن طبيعة العقوبات الاقتصادية وفحواها وطبيعتها، فإن الشعب السوري هو المتضرر الأول والأخير منها».
أما زميله أحمد، طالب اللغة الإنكليزية، فبدأ كلامه غاضباً منفعلاً «هل تجويع الشعب السوري هو ما يريده المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية؟ هل العقوبات الاقتصادية ستحجم أعمال من نهب ولا يزال ينهب جيوب السوريين يومياً؟ كل هذه الإجراءات والعقوبات الاقتصادية لن تؤثر على النظام السوري ورجالاته، إنما نحن فقط من سيدفع فواتيرها».