الجزائر | تبدو أصوات مناصري «جبهة الإنقاذ» الإسلامية المحظورة في الجزائر، كما لو أنّها في مزاد تتسابق عليه ثمانية أحزاب اسلامية تستعد لخوض انتخابات العاشر من أيار البرلمانية. ولا يمرّ يوم دون أن تطلق هذه الأحزاب رسائل منمّقة تصل أحياناً حدّ تعنيف النظام لكسب قلوب هؤلاء الأتباع، واستمالتهم للظفر بأصواتهم يوم الاقتراع؛ فقد أبدى رئيس «جبهة التغيير»، عبد المجيد مناصرة، المنشق عن «حركة مجتمع السلم» (الاخوان المسلمين)، رغبة جامحة في احتضان «مَن أقصتهم قوانين النظام في ظلّ تعاطيه مع الظاهرة الإرهابية من العمل السياسي وهمّشتهم»، على حد تعبيره. ودعا مناصرة، أول من أمس، إلى «الانضمام والسير معاً نحو تغيير الأمور» في البلاد. وقال مناصرة، الذي سبق أن شغل منصب وزير الصناعة في بداية عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة «أعتقد أن الوقت قد حان لطيّ هذه الصفحة وإنهاء العمل بمخلّفات هذا الماضي الذي أدمى قلوب كل العائلات الجزائرية». وتابع أن «مستقبل الجزائر يجب أن يُبنى بعيداً عن روح الانتقام وثقافة الإقصاء». وخلص بوعد صريح مؤدّاه أن رؤية «جبهة الانقاذ» ستكون حاضرة في حملته الانتخابية.
وقبل مناصرة، كان رئيس «جبهة العدالة والتنمية»، عبد الله جاب الله، قد أعلن ثلاث مرات في أقل من أسبوع واحد، أن جبهته تتسع «لكل من يريدون التغيير»، وخصّ بالذكر نشطاء «جبهة الانقاذ». وتحرّكت قيادة «العدالة والتنمية» في الأيام الأخيرة، وفتحت نقاشاً مع «الانقاذ» في عدة مناطق لإدراج وجهة نظرهم في الخطاب الانتخابي لجاب الله. وجاب الله من أهم رجال تيار الاسلام السياسي في الجزائر، وكان ضمن المجموعة التي بادرت إلى تأسيس «جبهة الانقاذ» في آذار 1989، لكنه انسحب في اللحظات الأخيرة بعد خلاف حول سلّم ترتيب الزعامات في الحزب. وكان جاب الله يرى أنه الأحق برتبة الرجل الثاني للحزب، لكونه قاد كفاح الاسلاميين في الجامعة حين كان طالباً في قسنطينة، وأسّس خلايا كان لها شأن كبير في ترسيخ التيار، عكس علي بلحاج الذي حظي بهذه الرتبة رغم أنه انضمّ للتيار الاسلامي المنظَّم لاحقاً، فضلاً عن كونه أدنى منه في التحصيل العلمي الأكاديمي. ولم تتأخر «النهضة» و«الاصلاح» عن السعي وراء «الأصوات اليتيمة» لكسبها، من خلال دعوتهما الصريحة لتأسيس «حلف الجزائر الخضراء». لكن من المستبعد حصول هاتين الحركتين على نسبة ولو ضئيلة من أصوات «الانقاذ»، نظراً لعملهما في المؤسسات الرسمية إلى جانب النظام، كذلك لارتباطهما انتخابياً في «حلف الجزائر الخضراء» بحركة «مجتمع السلم»، وهي العدو اللدود لـ«جبهة الانقاذ». لكن يبدو أنّ حلم قيادات الأحزاب الاسلامية لن يعمّر طويلاً بعدما صُدمت أمس ببيان صدر عن قيادة «جبهة الانقاذ»، ووقّعه رئيسها عباسي مدني المقيم منذ عشر سنوات في الدوحة، ونائبه علي بلحاج الذي يناوش النظام باستمرار رغم الممنوعات العشر التي رافقته عند خروجه من السجن مطلع تموز 2003. وقد دعا مدني في بيانه، إلى مقاطعة الانتخابات لعدم توفر شروط نجاحها، مشيراً إلى أن النظام في الجزائر «غير شرعي» منذ انقلاب عام 1962، عام الاستقلال مع الحكومة المؤقتة التي قادت ثورة التحرير، ثم الانقلاب الثاني على إرادة الشعب عام 1992 حين ألغى الجيش نتائج أولى الانتخابات التعددية في البلاد، التي كانت «جبهة الانقاذ» فائزة بالغالبية فيها. وإذا لم يتراجع عباسي وبلحاج عن دعوتهما إلى المقاطعة، فإن أقل من نصف الاسلاميين فقط سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع، ذلك أن وعاء «الجبهة» الذي يسيل لعاب الأحزاب الأخرى لاحتوائه، كان قوامه ثلاثة ملايين ونصف مليون صوت عام 1991، وهو، وإن تقلّص كثيراً بفعل الأزمة التي شهدتها البلاد وغياب الحزب عن الساحة لأكثر من عشرين عاماً، إلا أنه يبقى في كل الحالات أكبر من الوعاء الانتخابي لباقي الأحزاب الاسلامية مجتمعة. يُذكَر أنّ عباسي مدني وعلي بلحاج سُجنا في حزيران 1991، بعد قيادتهما عصياناً مدنياً عمّ مختلف مدن الجزائر احتجاجاً على قوانين انتخابية فصّلها النظام على مقاس «جبهة التحرير»، الحزب الحاكم، لكن تلك القوانين ذاتها أدّت إلى حصد «الانقاذ» غالبية مطلقة من مقاعد البرلمان.