دمشق | منذ اندلاع التحركات الشعبية السورية في منتصف آذار الماضي، عادت السياسة الشغل الشاغل للسوريين بعد خلو الساحة لما يزيد على العقود الخمسة من أي عمل سياسي. وفور انطلاق شرارة التحركات قبل نحو عام، بدأت القوى تتشكل وفق مقتضيات محلية وثقافية وبحكم الضرورة المطلبية أيضاً، وتشكلت المجالس والهيئات من رأس الهرم ومن القواعد. تقاطعت وتضاربت وخُوِّنَت وفُكِّكَت، ثم أعيد إنتاجها مراراً وتكراراً، ضمن قواعد التكيّف والقدرة على تلقُّف نبض الشارع.
وفي زحمة الائتلافات والتحالفات المعارِضة، أُعلنت من قلب دمشق، ولادة «ائتلاف وَطَن» في 13 شباط الماضي، ليضم مجموعة من القوى والحركات المدنية والاجتماعية والسياسية الحديثة التكوين جميعها، «بهدف تعزيز الانخراط في ثورة شعبنا السوري والمساهمة في تذليل العقبات التي تعترضها، من قبيل المساهمة في إنتاج رؤية سياسية، وردم الهوة بين القوى السياسية والحراك الشعبي، وتعزيز السلم الأهلي»، كما ورد في بيانه التأسيسي الذي يحدّد هدفه «بإسقاط النظام وبناء الدولة المدنية الديموقراطية التي تتطلب لبنائها إقامة أوسع تحالف ممكن يضم كل فئات شعبنا وأطيافه وتعبيراته السياسية».
ويركّز بيان «ائتلاف وطن» على «الطابع السلمي للثورة»، فهو «قيمة أخلاقية تتفوق فيها على النظام القمعي واستراتيجيا ناجعة في مواجهته». وفي الموقف من العناوين العريضة المطروحة حول الأزمة السورية حالياً، يشير البيان التأسيسي إلى الحرص على إسقاط النظام «بالقوى الذاتية للشعب السوري العظيم»، ويرى في الانشقاقات العسكرية «استجابة لدوافع أخلاقية سياسية، ونتيجة لإقحام الجيش في قمع أخوته وأهله»، مرفقاً بتشديد على ضرورة «أن يتبع الجيش السوري الحر للقيادة السياسية المفرزة من قوى الثورة». وتناول البيان التأكيد لحقوق الأقليات القومية في إطار الوحدة الوطنية، والحرص على إقامة علاقات متوازنة مع كل دول المنطقة والعالم، مع تسجيله «عتباً» تجاه «الدول التي تقف الآن إلى جانب النظام». وتوقف البيان التأسيسي عند إسرائيل، إذ أكد أن «تحرير أرضنا المحتلّة (الجولان) والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله لتقرير مصيره، ليس محلاً لأيّ مساومات في سياق إنجاز الثورة».
باختصار، «ائتلاف وطن» مولود محمَّل بالكثير من أمنيات مؤسِّسيه، لكن لا أحد يضمن له العمر الطويل في زمن التقلُّبات؛ فبين من يرى فيه محاولة لتوحيد المعارضة إلى من يراه بديلاً لها، يبقى مصراً على أنه ليس بديلاً لأحد، ولا «خطّاً ثالثاً ولا رابعاً ولا خامساً، بل مجرد محاولة لتوحيد قوى وناشطين يجمعهم هدف تغيير النظام بالقوى الذاتية والحفاظ على سوريا موحَّدة ومدنية وديموقراطية ومعادية لإسرائيل».
تجدر الإشارة إلى أن جميع القوى المنتسبة إلى «ائتلاف وطن» في الداخل السوري، تعمل تحت ظروف أمنية شديدة الصعوبة، مع شبه استحالة عقد مؤتمر موسَّع يشمل جميع المندوبين والأعضاء، وغالباً ما تكون الأسماء المعلنة هي لشخصيات اعتبارية داخل سوريا أو خارجها.
وقد وقّع البيان التأسيسي لـ«ائتلاف وطن» 9 قوى مدنية وسياسية انضمت إليها لاحقاً 5 قوى أخرى: 1ـــــ حركة معاً من أجل سوريا حرة وديموقراطية». 2 ـــــ اللقاء الوطني. 3 ـــــ الكتلة الوطنية في سوريا. 4 ـــــ تيار مواطنة. 5 ـــــ ائتلاف اليسار السوري. 6ـــــ لجنة العمل الوطني الديموقراطي في جرمانا. 7 ـــــ رؤية للتغيير. 8 ـــــ اليسار الثوري في سوريا. 9 ـــــ لجنة دعم الثورة السورية. وعقب إعلان البيان التأسيسي، فإنّ مجموعة أخرى من الحركات المماثلة قد وقعته، هي: 10 ـــــ حلم. 11 ـــــ تجمع الطريق. 12 ـــــ المبادرة الوطنية في جبل العرب. 13 ـــــ كوادر من الشيوعيين في جبل العرب. 14 ـــــ حركة التنوير المدني.
ما يجمع بين هذه التنظيمات تقارب رؤاها السياسية، ونزوعها إلى العمل المدني السلمي، ورفضها الأخلاقي للعنف، وإيمانها «بضرورة إسقاط النظام كمقدمة ضرورية لبدء عملية البناء لسوريا الجديدة»، ورفض معظمها التدخل الخارجي. وما يلفت الانتباه هو خروجها من مناطق مختلفة، وكثافة مشاركة الأقليات الطائفية فيها، واعتنائها بمسائل مدنية محددة للغاية كالسلم الأهلي، ورغبتها في التجمع للخروج من حالتها المناطقية، ولذلك حين توصَف هذه التنظيمات بـ«المدنية»، فالمقصود يكون سعيها إلى أن تشمل كامل الأراضي السورية.
في ما يأتي نبذة عن بعض التنظيمات الأساسية لـ«ائتلاف وطن»:
1 ـــــ حركة معاً من أجل سوريا حرة وديموقراطية:
تأسست في 23 حزيران الماضي، وهي تعرِّف نفسها بأنها «حركة مدنية ذات انحياز تام للشعب السوري، تدعم النضال السلمي للشعب من أجل الحرية والعدالة والديموقراطية وبناء الدولة المدنية، وفضح نهج العنف ومقاومته بأشكاله ومصادره كافة، وتعزيز الوحدة الوطنية ومقاومة كل أشكال التحريض الطائفي والتفرقة بين السوريين، وتعزيز القيم الوطنية ومناهضة التدخل الخارجي وسياسات الهيمنة، وتعزيز ثقافة الاختلاف وقبول الآخر، ونشر ثقافة حقوق الإنسان، ومفهوم المواطنة والأسس التي ينبني عليها». وكانت «معاً» طرفاً مؤسِّساً في «هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديموقراطي». من أهم موقِّعي بيانها التأسيسي الدكتور منذر خدام والدكتور منذر بدر حلوم والمخرج أسامة محمد والكاتبة خولة دنيا.
2 ـــــ اللقاء الوطني:
أُعلنت ولادته في إسطنبول بتاريخ 15 كانون الأول 2011، ويتألف من مجموعة «اتجاهات فكرية ومن تجارب سياسية متنوعة»، ودوره الأساسي هو العمل على «إسقاط النظام سلمياً»، وإقامة «نظام وطني يرسخ دولة العدالة والمساواة، دولة الحرية والكرامة، بالتنسيق بينه وبين المعارضة الوطنية الداخلية والخارجية واللجان والتنسيقيات المحلية الأخرى».
من أهم الأعضاء المؤسسين لـ«اللقاء الوطني» الدكتور المهندس مروان الخطيب، ورجل الأعمال الشيخ خالد العقلة. ومن الملاحظ تبني «اللقاء»، ذي الخلفية الإسلامية المعتدلة، لخطاب مدني ديموقراطي.
3 ـــــ الكتلة الوطنية في سوريا:
تمييزاً لنفسها عن حركة أخرى تحمل الاسم نفسه، وكلتاهما تحملان الاسم التاريخي نفسه لـ«الكتلة الوطنية» الناشطة بين 1920 و1946، التي كانت «التعبير السياسي للثورة السورية الكبرى» زمن الاستعمار الفرنسي. أصدرت «الكتلة الوطنية» الحديثة الولادة مجموعة مسودات لبيانها التأسيسي لفتح المجال أمام تعديلها وفتح النقاش حولها والاستجابة للتطورات الميدانية والسياسية الراهنة. تعرّف «الكتلة» نفسها بأنها «عبارة عن تجمع واسع الطيف في الداخل السوري، يضم مجموعات من القواعد الثائرة بغض النظر عن الدين أو الطائفة». وترى «الكتلة» أن النهج السلمي هو «الطريق الأفضل للوصول إلى الحرية»، وترفض التدخل الخارجي وتحمل النظام مسؤوليته إذا حدث. الناطق الرسمي باسم الكتلة هو الدكتور أيهم حداد، وهو مقيم في الولايات المتحدة.
4 ـــــ تيار مواطنة:
نشأت المجموعة في آذار 2011، وتطورت إلى تيار يصف نفسه بأنه مجموعة من «الناشطين الديموقراطيين من أجل مواطن فرد حر كريم متساوٍ في نظام مدني ديموقراطي تعددي». و«مواطنة» من بين التيارات القليلة التي أصدرت تقريراً سياسياً مطولاً يجعلها أشبه بحزب لكنه يتميز بمرونة واسعة، ولا يجد حرجاً في النقاش العلني حول الطائفية والجيش الحر والتدخل الخارجي. ويضم «مواطنة» معارضين يساريين سابقين، ويتميز بتبنيه لأفكار ليبرالية واضحة، ويعتمد نهجاً ديموقراطياً «منفتحاً».
5 ـــــ لجنة العمل الوطني الديموقراطي في جرمانا:
مدينة جرمانا في ريف دمشق تمثّل نموذجاً للتعايش السلمي بين مكوِّناتها، لذلك يرى المعارضون أنّ «اللجنة»، بانضمامها إلى «ائتلاف وطن»، أوجدت بعداً جديداً لها يتخطى حواجز المكان والأقليات فيه.
6 ـــــ اليسار الثوري في سوريا:
هم مجموعة تروتسكية الهوى تعرّف عن نفسها بأنها «مجموعة من الماركسيين واليساريين الثوريين في سوريا، تتبنى وثيقة البرنامج الانتقالي لليسار الثوري في سوريا، وتعمل من خلال انخراطها في الثورة الشعبية الجارية على إعادة توحيد اليسار الماركسي الثوري وبنائه». يضع خطابها السياسي مهمات انتقالية راهنة ومباشرة تتضمن «إسقاط النظام وقيام حكومة ثورية مؤقتة تعمل على تفكيك البنية الأمنية للدولة، والدعوة إلى انتخاب جمعية تأسيسية على أساس التمثيل النسبي تضع دستوراً لدولة مدنية ديموقراطية وتعددية».
7 ـــــ لجنة دعم الثورة السورية:
هي مجموعة من اليساريين والديموقراطيين الملتزمين إسقاط النظام، وبناء «مجتمع جديد حر علماني يقوم على احترام حقوق الإنسان وسيادة دولة القانون». وتؤكد «اللجنة» «سلمية الثورة وحضاريتها وحماية السلم الأهلي والوحدة الوطنية واحترام حقوق الأقليات القومية». ويختصر شعارها باللاءات الثلاث: لا للدكتاتورية، لا للطائفية، لا للتدخل العسكري الخارجي.
8 ـــــ حركة اللجان المدنية (حلم):
حركة غير سياسية بمثابة تجمّع لمواطنين من مختلف التيارات السياسية والانتماءات المناطقية والطوائف، «مؤمنون بدور الحراك المدني في الثورة السورية على النظام وبناء المجتمع والدولة المدنية الديموقراطية». وتسعى «حلم» إلى إنجاز «تعاون مع الهيئات والمنظمات الحكومية والمدنية والقانونية في مجالات حقوق الإنسان والطفولة والمرأة والثقافة والعلوم والبيئة والحيوان في سوريا والعالم».
9 ــــ تجمّع الطريق:
صدرت ورقته التأسيسية في مطلع تشرين الثاني الماضي، وأعضاؤها «مجموعة من الشباب والشابات الذين شاركوا في مختلف فعاليات الثورة السورية لإسقاط النظام والحفاظ على سلمية ثورتهم ووحدة مكونات الشعب». وتشير الورقة إلى أن الهدف من إنشاء التجمع هو «العمل الميداني ودعم الحراك الثوري السلمي في الشارع، والتعبير سياسياً عن تطلعات أعضائه إلى دولة مدنية ديموقراطية، وهو موجود في جميع المحافظات السورية، ويرفض أي تمويل داخلي أو خارجي، ورفض السلوك الطائفي والمناطقي ».
10ـــــ المبادرة الوطنية في جبل العرب (السويداء):
ظهرت المبادرة بتاريخ 15 كانون الأول الماضي، وهي تعمل من أجل «تحالف مختلف القوى الوطنية التي تسعى إلى إنجاز الانتقال السلمي إلى الدولة الديموقراطية المدنية المستندة إلى دستور عصري متقدم يطلق حرية الفرد والحريات العامة، ويضمن حق المواطن والمساواة والعدالة الاجتماعية».
11ـــــ كوادر من الشيوعيين في جبل العرب:
هم أعضاء وكتل منشقة من الأحزاب الشيوعية التقليدية وكتلة اليسار التاريخية والتاركين للأحزاب في السويداء، الذين وجدوا أنهم يتعارضون مع طروحات أحزابهم التي تتبنّى وجهة نظر النظام.
12ـــــ حركة التنوير المدني:
هي حركة تصف نفسها بأنها «حركة غير سياسية أنشأها بعض الشباب السوري بهدف رسم بعض الخطوط العريضة وتوجيه البوصلة ناحية الثقافة الاجتماعية والسياسية». لكن اعتقال بعض مؤسسيها وناشطيها أفقدها الزخم وسبب توقف عملها. و«حركة التنوير» اليوم تنبض بالحياة مجدداً استناداً إلى عمل الكثير من ناشطيها في مجالات الإغاثة والإعلام والثقافة والسياسة، بالإضافة إلى انخراطهم بنحو واسع في الحراك الميداني.



ائتلاف اليسار السوري

وُلد هذا التنظيم في تموز الماضي، كتجمُّع لكتل شيوعية انشقت عن أحزابها، ويساريين من خارج الأحزاب أصلاً وشباب دخل لتوه إلى اليسار. تجمعهم المشاركة في الحراك الساعي إلى إسقاط النظام، ويسعى إلى «تفعيل دور العمّال والفلاحين وذوي الدخل المحدود المشاركين في هذه الانتفاضة». يعود «الائتلاف» في وثيقته إلى جذور الصراع الطبقي في سوريا، ويضع المهمات للكوادر فيه «كماركسيين ثوريين، يلتصقون بالطبقات الشعبية ويدافعون عنها، ويسعون إلى أن تصبح هي القوة الحاكمة لتأسيس دولة مدنية حديثة تقررها الإرادة الشعبية، إرادتهم هم، بما يقود إلى حل الأزمات العميقة التي نشأت في الاقتصاد والتعليم والصحة، وفي بنية الدولة التي تكرست كسلطة مستبدة». ويضع لنفسه مهمات نضالية من أجل «البناء الاشتراكي والديموقراطي لسوريا الجديدة». ويركز «ائتلاف اليسار السوري» على أن الصراع من أجل التغيير «يتأسس على رؤيتنا العامة للصراع ضد الإمبريالية»، لذلك فهو يدعم المقاومة «باتجاه تطوير الصراع إلى حرب حقيقية لتحرير الأرض».