في خطوة مدروسة وهادفة للإيحاء بجديّة توجهاته، أوحى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الكلمة التي ألقاها أمام مجلس النواب الاسرائيلي (الكنيست)، بأن موقفه إزاء البرنامج النووي الايراني سيكون امتداداً لمواقف أسلافه من رؤساء الوزارات الذين اتخذوا مواقف استراتيجية في العديد من المحطات التي مرَّت بها الدولة، بعيداً عن النصائح أو التعليمات الأميركية، وتحديداً عندما أعلن مباشرة: «إنني اتحمل بصفتي رئيساً للحكومة هذا الواجب الأعلى المفروض على جميع رؤساء الحكومات الإسرائيلية».
وبهدف إضفاء مزيد من المشروعية، عبر التشديد على أن الموقف الثابت لتل أبيب في المنعطفات عادة ما ينطلق حصراً من تشخيص المصالح الاسرائيلية، استشهد نتنياهو بموقف أوّل رئيس وزراء لاسرائيل ديفيد بن غوريون، برفض تأجيل اعلان الدولة العبرية عام 1948، رغم نصيحة الولايات المتحدة بذلك على لسان وزير خارجيتها جورج مارشال. كذلك استشهد بقرار رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق ليفي أشكول (1963-1969)،بشن حرب العام 1967، رغم تحذير الرئيس الأميركي ليندون جونسون بالقول «اذا تحركتم بمفردكم فستكونون معزولين»، كذلك قرار رئيس الوزراء الاسبق مناحيم بيغن (1977-1983) منفرداً بمهاجمة المفاعل النووي العراقي في العام 1981، رغم وعيه المسبق والتام للنقد الأميركي الذي سيترتب على ذلك.
وأكد نتنياهو أن الهدفين الأساسيين لزيارته الى واشنطن قد تحققا، سواء في ما يتعلق بتأكيد حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها بقدراتها الذاتية إزاء أي تهديد، أو وضع قضية التهديد الناجم عن حصول ايران على السلاح النووي على رأس برامج العمل الدولية.
لكن بالرغم من الجدية والخطورة التي تنظر بها اسرائيل الى البرنامج النووي الايراني وقدراتها التسليحية، وتهديدها للامن القومي الاسرائيلي، يمكن تفسير كلام نتنياهو على مسارين: الاول داخلي، يتمثل بمحاولة تغيير الانطباع الذي ساد في اسرائيل حول عودته خالي الوفاض من واشنطن، والثاني خارجي، يهدف الى تمكين الدول الغربية من استخدام التهديد الاسرائيلي كجزء من ادوات الضغط، الى جانب العقوبات الدولية والاقتصادية، في المفاوضات المرتقبة مع الجمهورية الاسلامية.
وامتداداً للتوجه الرسمي الاسرائيلي برفع مستوى القلق الدولي والاقليمي من إمكانية مهاجمة ايران، ذكرت صحيفة «معاريف» أنه وفقاً للتقديرات الحالية أصبحت موازين القوى داخل المجلس الوزاري المصغر، تميل لتأييد نهج نتنياهو ووزير دفاعه ايهود باراك، بعدما بات ثمانية وزراء يؤيدون الخيار العسكري، في مقابل معارضة ستة بمن فيهم المعارضون التقليديون، موشيه يعلون، دان مريدور وبني بيغن وايلي يشاي. ولفتت الصحيفة الى أن هذه الخلاصة أتت استناداً الى تقديرات ناتجة من اتصالات سرية بين رئيس الوزراء ووزارئه على انفراد.
وفيما لفتت «معاريف» إلى أن خطاب نتنياهو أثار قلقاً في اوساط المعارضين للهجوم، في الساحتين السياسية والأمنية على حد سواء، نقلت عن مصدر رفيع المستوى قوله إن نتنياهو مصمم على عدم الانتظار الى ما بعد الانتخابات في الولايات المتحدة في تشرين الثاني المقبل، لكونه لا يؤمن بأن الرئيس أوباما سيعالج الموضوع بعد الانتخابات، ويخشى من أن يؤدي الانتظار الى السنة المقبلة إلى أن تكون ايران باتت دولة نووية.
على صعيد آخر، وكجزء من السياسة الاسرائيلية التي تحاول ربط مواجهاتها مع فصائل المقاومة في فلسطين، على أنه جزء من صراعها مع ايران، تجاوز نتنياهو حقيقة أن إسرائيل كانت هي المبادرة الى اغتيال الأمين العام للجان الشعبية، معتبراً في كلمته أمام الكنيست أيضاً، أن العامل المحرك للأحداث في غزة ليس القضية الفلسطينية بل ايران، الى حد القول «إن غزة ليست إلا ايران». وأشار الى ان صواريخ وأموال وتدريب فصائل المقاومة تأتي كلها من الجمهورية الاسلامية، واصفاً القطاع بأنه الموقع الامامي لإيران. ورفض نتنياهو مقولة إن اسرائيل خاضت مواجهة مع «تنظيم ارهابي من الدرجة الثالثة او الرابعة»، بل مع ايران. وكشف عن موقفه الحازم والرافض لأي انسحاب اسرائيلي من الضفة الغربية، متذرّعاً بأنه ما من منطقة أخلتها اسرائيل في السنوات الأخيرة إلا ودخلت فيها ايران، سواء في لبنان أو غزة. من جهة أخرى، نفت الولايات المتحدة أمس، تقريراً إعلامياً روسياً عن أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، طلبت من روسيا نقل تحذير لإيران بأنها تواجه «الفرصة الاخيرة» لحل دبلوماسي للنزاع بشأن برنامجها النووي. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند، رداً على سؤال عن تقرير في صحيفة «كومرسانت» الروسية أول من أمس، إن «الوزيرة لم ترسل تحذيراً للايرانيين عبر وزير الخارجية (الروسي سيرغي) لافروف».

سيناريو الضربة الإسرائيليّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة



نشرت شبكة «سي أن أن» الأميركية، أمس، سيناريو للضربة الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية، والتي وصفتها بأنها تختلف عن الضربة التي وجهتها إسرائيل للمفاعل النووي العراقي عام 1981 وللمفاعل النووي السوري عام 2007

ذكرت شبكة «سي أن أن» الأميركية، في تقرير نشرته أمس، أن الضربة الإسرائيلية ضد إيران ستكون مركّبة، حيث ستشارك فيها 100 طائرة تضم مقاتلات وطائرات تزود بالوقود في الجو، يجب عليها قطع مسافة تبلغ مئات الكيلومترات لكي توجه ضربات لثمانية مواقع داخل الأراضي الإيرانية.
وعلى عكس العراق وسوريا، حيث كان يتطلب في كل منهما ضرب هدف واحد، فإن المنشآت النووية الإيرانية موزعة على عدة مواقع في الدولة وتحظى بحماية دفاعات جوية، وخصوصاً موقع «فوردو» الواقع قرب مدينة قم جنوبي طهران.
وفي رأي مدير معهد الأمن القومي الاسرائيلي، أفرايم كام، فإن قصف المنشآت النووية الإيرانية مهمة أكثر تعقيداً، «لأنها أكثر اتساعاً من ضرب المفاعل النووي العراقي الذي حصل قبل 30 عاماً». ويقول كام وآخرون، إن المهمة ستنفذ بواسطة طائرات «F-15i» و«F-16i»، وليس بواسطة صواريخ تطلق من غواصات. ويضيف أن إيقاع أضرار بالمنشآت النووية يتطلب استخدام أسلحة دقيقة الإصابة، والصواريخ لا تفي بهذا الغرض. اللافت هنا أن الجيش الأميركي يملك قنابل من نوع «جي بي يو 57» التي تبلغ زنتها 13600 كيلوغرام، ولكن لا توجد مؤشرات على أن إسرائيل طلبت التزود بها، فضلاً عن أنها لا تملك طائرات من طراز «بي 2» و«بي 52» القادرة على حملها. ويؤكد الخبير الإسرائيلي أنه إذا وجهت إسرائيل ضربة في الآونة القريبة فإنها ستفعل ذلك من دون مساعدة، وهذا ما يشاركه فيه العديد من الخبراء.
أما الخبيرة الأمنية لدى مجلة «جينز»، اميلي تسورلي، فترى أن هناك أربعة أهداف رئيسية للضربة الإسرائيلية: منشآت تخصيب اليورانيوم في ناتنز وفوردو، منشأة أصفهان والمنشأة النووية في آراك، مشيرة إلى أن منشأة أصفهان ومنشأة آراك تقعان فوق الأرض ومن السهل ضربهما، في حين تقع منشأة ناتنز تحت الأرض ويصعب ضربها. في المقابل فإن منشأة فوردو هي الأكثر صعوبة لأنها تقع في قلب الجبل. تسورلي تضيف أن قصف منشأة فوردو من شأنه أن يجلب نتائج عكسية، إذ إن انهيار مدخل المنشأة من دون التسبب بتدميرها سيحميها من ضربة إضافية، وهي غير واثقة بقدرة إسرائيل على تدمير منشأة فوردو بقصف جوي، «وتدمير منشآت آراك وأصفهان من دون تدمير فوردو لا يستحق المخاطرة». مذكّرة بأنه تم نقل الكثير من أجهزة الطرد المركزي إلى فوردو. ويفيد خبير الدفاع الجوي، جيم أوهلوران، لشبكة «سي أن أن» أن المنشآت الأربع جميعها تحظى بحماية أنظمة دفاع جوي من نوع «أس 200» و«هوك».
أما كيف ستصل الطائرات الإسرائيلية إلى إيران، فيقول التقرير إن هناك ثلاثة طرق ممكنة؛ الشمالي ويمر عبر تركيا التي يعتري التوتر علاقتها بإسرائيل في هذه الفترة، الجنوبي ويمر عبر السعودية التي لا تربطها علاقات دبلوماسية بإسرائيل، والوسط الذي يمر عبر الأردن والعراق. وفي حين من الصعب أن يسمح الأردن للطائرات الحربية الإسرائيلية بالمرور عبر أجوائه، فإن العراق لا يمتلك الرادارات اللازمة لاكتشاف هذه الطائرات، ولذلك يرجح استخدام هذا الطريق، كما يقول الخبير هلوسي ماجيس لـ«سي أن أن».
ثمة إشكالية أخرى ستواجه سلاح الجو الإسرائيلي، وهي على أي ارتفاع سيطير، ففي حين يمكّنه الطيران المرتفع من الإفلات من الدفاعات الجوية للدول التي سيمر منها، فإنه سينكشف للرادارات الإيرانية، الأمر الذي سيعطي الأخيرة فرصة ثلاث ساعات للاستعداد.
ع. ح.