دمشق | بعد غياب مفهوم التعددية السياسية في سوريا طوال العقود الأربعة المنصرمة، في ظل هيمنة حزب البعث العربي الاشتراكي على قيادة الدولة والمجتمع، ورغم وجود أحزاب منضوية تحت راية الجبهة الوطنية التقدمية تتمثل في الشيوعي بجناحيه (الأول يقوده تيار خالد بكداش والثاني يوسف فيصل)، بالإضافة إلى عدد من الأحزاب ذات التوجه الناصري، قبل أن ينضم إليهم لاحقاً الحزب السوري القومي الاجتماعي، بقي نشاط الاحزاب محدوداً للغاية رغم سماح النظام لهم قبل عشر سنوات بافتتاح مقار وإصدار صحف تمثلهم، إلا أن سيطرة البعث على السلطة بقيت طاغية على حضور الباقين.
وقد وافقت لجنة شؤون الأحزاب، خلال اجتماعها أول من أمس برئاسة وزير الداخلية اللواء محمد الشعار، على ترخيص حزبين جديدين هما حزب الشباب الوطني السوري وحزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية. وبذلك يكون عدد الأحزاب التي خرجت إلى العلن، منذ فتح باب تشكيل احزاب جديدة، ثمانية تتنوع في الاتجاهات السياسية وهي: سوريا الوطن، الطليعة الديموقراطي، الديموقراطي السوري، التضامن العربي الديموقراطي، التنمية الوطني، الأنصار، الشباب الوطني السوري، الشباب الوطني للعدالة والتنمية.
وينص قانون الأحزاب الجديد على حظر الأحزاب ذات الطابع العرقي أو الديني أو الطائفي، وكذلك منعها من إقامة أي تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية علنية أو سرية، أو اللجوء إلى استخدام العنف بكل أشكاله أو التهديد به أو التحريض عليه. ووضع القانون جملة اشتراطات عامة لتأسيس الأحزاب، منها الالتزام بأحكام الدستور ومبادئ الديموقراطية وسيادة القانون، واحترام الحريات والحقوق الأساسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كذلك اشترط في الحزب «علانية مبادئه وأهدافه ووسائله ومصادر تمويله»، وأن «لا يكون فرعاً تابعاً لحزب أو تنظيم سياسي غير سوري». وبموجب القانون، يجب أن يكون مؤسس الحزب سورياً منذ عشر سنوات متمماً الخامسة والعشرين من العمر وغير منتسب لحزب آخر سوري أو غير سوري، كما يشترط أن يكون عدد المؤسسين خمسين عضواً ويقدم ذلك إلى لجنة تأسيس الأحزاب.
وتشير رئيسة حزب «الشباب الوطني للعدالة والتنمية»، بروين ابراهيم، في حديث لـ«الأخبار»، إلى أن الهدف من الحزب هو خلق شريحة فاعلة ضمن المجتمع، من خلال المؤسسين ذوي الخلفيات المتنوعة دينياً وبيئياً وثقافياً، بالإضافة إلى التأكيد على شريحة الشباب، من اجل خلق رؤية حضارية وديموقراطية في سوريا تساهم بتفعيل الحراك السياسي. أما في ما يخص اسم الحزب المتشابه مع الحزب الحاكم في بلاد الأتراك، فتؤكد ابراهيم أن «كل كلمة هي محور لنشاطنا، فاختيار الاسم كان من باب التحدي لارتباطه بالحالة الإسلامية، فيما توجهنا هو علماني باستيعاب كافة الأطراف والقوميات، لذا يمكن خلق فرصة للاسم بطريقة علمانية، وعدم ترك الفرصة لاحتكار ذلك للأحزاب الدينية، التي أثرت على الشارع، وجعلت قسماً منه متطرفاً».
وتلفت رئيسة الحزب إلى أنهم لم يتلقوا دعوة إلى الحوار المرتقب، وتؤكد المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة بدور فاعل. وفيما لم يحدد بعد مضمون البرنامج الانتخابي للحزب، بدا من اللافت حديث إبراهيم عن استقطاب الأكراد، بقولها «إنهم عانوا كثيراً في الفترة الماضية، وأخيراً صدر قرار منحهم الجنسية، لكن فكرتنا كانت استقطاب هذه الشريحة المغيبة ضمن إطار الحزب، ونحن مع الحفاظ على هويتهم الثقافية واللغوية ضمن إطار الوطن الواحد، وهم بالنسبة إلينا القوة البكر، وهناك مؤسسون في الحزب ينتمون للقومية الكردية، ومعنيون بهموم الأكراد واستقطابهم للحراك السياسي، وسيشعرون بأنهم قوة فاعلة تجذر انتماءهم، وبالعكس فإن ابتعادهم سيتركهم تحت سقف الأحزاب المتطرفة التي تدعو إلى الانفصال، وبذلك نغلق الطريق عليهم، خصوصاً أن شعار الحزب هو «سوريا وطن لكل أبنائها»، وبالطبع فالأكراد مكوّن أساسي في المجتمع السوري».
أما المهندس غطفان حمود من حزب «سوريا الوطن»، فيؤكد رغبة الحزب الوليد بالاستفادة من الإصلاحات، وأبرزها قانون الأحزاب، بهدف إعطاء مثل للمواطنين في القدرة على التعبير عن التوجهات السياسية بتشكيل الأحزاب. ويتابع أن مؤسسي الحزب قد عملوا عند بنائه على الواقعية والقرب من حياة الناس، رغم الأفكار الكبرى، لكننا أردنا ملامسة الطرق المنطقية عبر شعارنا «مواطنة كرامة محبة»، وتنتمي الشريحة المؤسسة إلى الطبقة الوسطى، دون وجود لسياسيين سابقين أو طبقة غنية أو شخصيات مشهورة.
وبموجب قانون الأحزاب، فإن على الحزب الجديد تحقيق انتشار في سبع محافظات على الأقل، إلا أن حمود يشير إلى أن دمشق حاضنة أساسية لمختلف أبناء سوريا. ويؤكد حمود المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث سيصار إلى إعطاء الموضوع أهميته، حال فتح باب الترشح. كذلك يلفت إلى إشكالية هامة هي انتماء العديد من شرائح المجتمع السوري إلى حزب البعث، وهو ما يسبب عقبة أمام انتسابهم لباقي الأحزاب، وهؤلاء لديهم أزمة لأنهم لا يريدون أن يقال عنهم منشقون عن البعث، وإلا لكان الكثيرون منهم قد توجهوا للأحزاب التي لا يرى حمود أنها في حال منافسة مع الأحزاب التقليدية، للجبهة الوطنية التقدمية، لأنها في النهاية تحت راية البعث، وهو حزب كبير وله إمكاناته الكبرى، رغم السلبيات التي رافقت مسيرته الماضية، وهو منافس قوي مع عقيدة وفكر، لكن أحزاب الجبهة لا تشكل أهمية تذكر أمام الأحزاب الجديدة. ويختم حديثه بالإشارة إلى أن الحوار كان في مرحلة سابقة مسألة مهمة جداً، لكن الأولوية اليوم هي لصناديق الاقتراع والدخول في اللعبة الديموقراطية، فالحوار بحسب رأيه هو هدف وليس وسيلة.