لا احتفالات في الصحافة الأميركية والفرنسية والبريطانية؛ «فالثورة السورية»، بعد عام على انطلاقها، لم تستكمل مسارها وفق أهواء الصحافيين المسيّسين بعد.

الوضع السوري بمجمله يغالط كل السيناريوات التي حاول المحللون الغربيون وضعها لأحداث سوريا منذ بدء التحركات في آذار عام ٢٠١١.
فبشار الأسد لا يزال على رأس السلطة، ونظامه لم يتفكك بعد، والأمر لم يعطَ للطائرات الحربية «الأطلسية» بقصف سوريا، ولا الجيوش التركية زحفت وحررت البلاد يداً بيد مع «الجيش السوري الحرّ»، ولا المعارضة السورية التفّت حول «المجلس الوطني»، فتحوّل مجلساً انتقالياً شرعياً، ولا روسيا خضعت ولا الصين لانت... لا شيء سوى قتل مستمر للمدنيين في كافة المناطق المتمردة وتظاهرات ضخمة مؤيدة للأسد تملأ ساحات العاصمة.
لكلّ تلك الأسباب ولغيرها، جاءت ذكرى مرور سنة على الأحداث في سوريا في الصحافة الأميركية والبريطانية باهتة سادها غضب يتخبّط في كل الاتجاهات وتوسلات متكررة للتدخل العسكري ومرارة أخفت يأساً كبيراً.
الصحافيون الغاضبون انقسموا إلى ٣ فئات: القليل النادر منهم ساخط على كل القوى الغربية والعربية _ والإعلام التابع لها ضمناً _ يتهمها بالإسهام في إفشال الثورة ويحمّلها، مع نظام الأسد، مسؤولية وقوع المزيد من الضحايا. الفئة الثانية، وهي الأكبر، تصبّ غضبها على إدراة باراك أوباما التي لم توافق لغاية الآن على تدخل عسكري بقيادتها أو بمباركتها، تلك الفئة أبقت على فسحة أمل صغيرة علّ أوباما يستجيب قريباً. أما مَن في الفئة الثالثة، فهم الذين لاموا الأمم المتحدة ولجان حقوق الإنسان وتركيا وإيران، وتركيبة المجتمع السوري، وتنظيم «القاعدة»، وتوقيت الانتخابات الرئاسية الروسية والفرنسية والأميركية.
بداية مع مَن أشهر غضبه على الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين والإعلام الأميركي السائد، وكل من بدا جاهلاً بسوريا وكيفية التعاطي مع أزمتها، أحد أبرز تلك الأصوات هو الصحافي روبرت فيسك.
تحت عنوان «الوقائع المخيفة التي تبقي نظام الأسد في الحكم»، كتب فيسك في «ذي إندبندنت» البريطانية، معدداً الأسباب التي تكمن وراء فشل إسقاط نظام الأسد لغاية الآن. الصحافي البريطاني، وبعد عرض لطبيعة تكوين مدينة حمص وتذكير سريع بمسيرة الرئيس السوري وبعض المقربين منه، سأل: «لماذا تفاجأنا كثيراً إذاً بهروب الجيش السوري الحر من حمص؟ هل كنا نتوقّع فعلاً أن يترك النظام المدينة ويلوذ بالفرار بسبب مجموعة من المسلّحين كانوا يريدون استضافة تمرّد شبيه بانتفاضة وارسو في حمص؟ هل صدّقنا أن قتل المدنيين والصحافيين سيردع من لا يزال يدّعي القومية العربية عن سحق المدينة؟ هل السعودية وقطر اللتان تطالبان بشدّة بتسليح المتمردين السنّة في سوريا، كانتا ستتنازلان عن الحكم لشعبيهما ذي الأكثرية السنية والأقلية الشيعية؟ هل يفكّر أمير قطر بالاستقالة؟». وأضاف فيسك: «إن قادة اللوبيات في واشنطن، وكل المتوهمين في «معهد بروكينغز» و«راند» و«مجلس العلاقات الخارجية» والإعلام الذي ينشر افتتاحيات صحيفة «نيويورك تايمز» ظنّوا واهمين أن حمص هي بنغازي الجديدة التي ستكون خطّ انطلاق الزحف نحو دمشق». الكاتب يشرح ذاك «الوهم» بالقول «إنه الحلم الأميركي القديم ذاته، عندما يعتقد الأميركيون أنّ في ظل دولة عسكرية شرسة وفاسدة فإن المعارضين لها، حتى لو كانوا غير مسلحين كفاية، سيتغلبون عليها لأنهم الأخيار والصالحين». «وعلى تلك التفاهات بنى الغرب والعرب آمالهم»، يخلص فيسك، ويردف قائلاً: «عندما تبنّى الغرب بسرور أوهام نيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون وهيلاري كلينتون، وعندما نادت دول الخليج العربي بإحلال الديموقراطية في سوريا، وهي التي لا تطبقها في بلادها ومع شعوبها، عندها أدرك السوريون رياءهم والنفاق». فيسك يضيف: «انتخابات فرنسية وروسية وإيرانية وسورية وأميركية... من المدهش كيف يمكن «الديموقراطية» أن تُخرج السياسة العاقلة عن مسارها في الشرق الاوسط».
الفئة الثانية من الساخطين، ملأت الإعلام الاميركي اليميني والمحافظ، حيث وجهت سهام اللوم إلى الرئيس الأميركي وإدارته بسبب امتناعه عن إعطاء الأمر بالتدخل العسكري في سوريا لغاية الآن. ومن أبرز هؤلاء اللائمين، المحلل في معهد «بروكينغز» الأميركي، شادي حميد، الذي سأل: «من سينقذ سوريا؟»، وجاء الجواب في مقاله بما معناه: «إذا لم تنقذ الولايات المتحدة سوريا، فمن سيفعل؟».
حميد كرر كل ما نادى به دعاة التدخل العسكري في سوريا طوال سنة، بالقول: «إن الغرب لا يفرض ذلك، بل الشعب السوري، كما الليبي، هو الذي يطالب بالمزيد». حميد استخدم أيضاً نقاط الجذب نفسها لتبرير الهجوم العسكري على سوريا بأن «معظم الدول العربية والإسلامية موافقة عليه». الكاتب هوّل أيضاً بـ«وجود تنظيم القاعدة وبتحوّل سوريا إلى دولة ساقطة أمنياً وبشبح الحرب الأهلية، وبأن المنطقة غير مستعدة لذلك». «لا يهمّ أن تقود الولايات المتحدة العمليات من الخلف إذا أصرّت، لكن عليها أن تقودها»، يختم حميد.
إليوت أبرامز أحد صقور المحافظين الجدد الذي رسم عدة سيناريوات لسقوط الأسد خلال العام الماضي، صبّ غضبه هذه المرّة على ما تقوم به إدارة أوباما من «تسييس الاستخبارات حول سوريا». أبرامز يشرح اتهامه ذاك في مجلة «ذي ويكلي ستاندرد»، بأن «الإدارة تستخدم الاستخبارات بشكل مجتزأ لكي تخلق جوّاً مؤاتياً لسياسات البيت الأبيض ومتماشياً مع قراراته، بدل إعطاء الصورة كاملة كما هي». أبرامز، الذي شارك في هندسة غزو العراق وتلفيق التقارير الاستخبارية التي سبقته، مستاء مما تشيعه الاستخبارات الاميركية بأن «بشار الأسد يقود جيشاً لا يقهر، ولديه مجموعة من نحو ٣٣٠ ألف عنصر ذي مستوى عال واحتياط كبير من الجنود المدربين على غزو إسرائيل... كما يملك سلاحاً جوياً هائلاً». «هذا ما يسمى تسييس الاستخبارات لتبرير عدم القيام بأي شيء لمواجهة الأسد»، يخلص أبرامز، مطالباً بمعرفة من طلب ذلك من المسؤولين في وكالة الاستخبارات ولماذا وافقوا على تنفيذه.
ومن الفئة الغاضبة الثالثة، برز ليونيل بيهنير في صحيفة «لوس أنجلس تايمز» الذي رأى أنه «عندما تصنّف الأمم المتحدة ولجان حقوق الإنسان ما يحصل في سوريا في خانة الحرب الأهلية، فتلك ليست دعوة إلى التسلّح، بل دعوة إلى عدم فعل أي شيء». «تماماً كيف يستدعي تعبير الإبادة بدل المجزرة إلى التدخل العسكري الخارجي لإنقاذ المهددين، كذلك يجب على المسؤولين الأمميين والأميركيين أن لا يستخدموا تعبير الحرب الأهلية؛ لأن ذلك يعني عدم التدخل. فيما تزداد المطالب السورية والعربية للتدخل العسكري في سوريا»، يشير بيهنير.
«لماذا لم تتدخل تركيا في سوريا؟»، سأل سونير كاغابتاي في «ذي نيو ريبابليك». المحلل في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، يرى أن «من يتوقع أن تكون أفعال تركيا مثل أقوالها العدائية فسيخيب أمله». كاغابتاي يشرح أن «الأولوية بالنسبة إلى الحكومة التركيا اليوم هي استكمال اعتمادها على القوة الناعمة والحفاظ على شعبيتها عند شعوب الشرق الأوسط. لذا، إن أي تدخل مباشر في سوريا سيدمّر ذلك على الفور». كاغابتاي يشير إلى استطلاع للرأي أجري أخيراً، بيّن مدى شعبية تركيا لدى مواطني الدول العربية، حيث تأتي خلفها مباشرة إيران. «لذا، هي تفضّل أن لا تخسر كل ذلك، وقد ترغب بتحريك الأمور وراء الكواليس».



اقصفوا سوريا لكي أتمكّن من النوم

تحت عنوان «اقصفوا سوريا لكي أتمكّن من النوم ليلاً»، كتب براندون أونيل على موقع «سبايكد»، منتقداً الداعين إلى التدخل العسكري في سوريا من الغربيين. أونيل يقول إن «أولئك الدعاة إلى الهجوم على سوريا هم مهووسون بأنفسهم وبإرضاء حاجاتهم العاطفية أكثر بكثير مما هم يكترثون بمشاعر السوريين ومعاناتهم». «إن هؤلاء الحضاريين إنما يصرخون من أجل التدخل في سوريا، لا لشيء سوى أنهم يرون في ذلك بلسماً للإحساس بالذنب طوال الوقت. لذا، كان يجب أن يكون صراخهم ذاك: اقصفوا سوريا لكي نتمكن من النوم في الليل»، يشرح أونيل. ويضيف أن «تشبيه البعض سوريا بالبوسنة هو دليل على عقدة الذنب تلك».
الكاتب يقول إن ما يظهره بعض الكتّاب والسياسيين هو «نوع من أنواع النرجسية المتفشي حالياً بين دعاة التدخل في سوريا». المقال يشير إلى بعض الأمثلة لمقالات صحافية «حيث يظهر تركيز الكاتب على شعوره وأحاسيسه وأولوياته أكثر من اهتمامه بشعور المواطنين السوريين واهتماماتهم».