الخرطوم | ترقُّب وانتظار هو ما يشعر به مواطنو دولة جنوب السودان المقيمون في الشمال، مع اقتراب موعد الثامن من نيسان، الذي حدّدته الحكومة السودانية تاريخاً نهائياً للوجود «غير الشرعي» للجنوبيين في الشمال، رغم توقيع البلدين تفاهمات مشتركة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الأسبوع الماضي، بخصوص المواطنة و«الحريات الأربع» لمواطني البلدين (النقل والحركة والتملك والعمل)، وتنظيمها وفق قوانين وإجراءات كلا البلدين. وبحسب مسؤول حكومي رفيع المستوى في الخرطوم، تحدث لـ«الأخبار»، فإنّ الاتفاق «ليس له علاقة بإعطاء الجنوبيين كامل الحقوق في الشمال، بل إنه حدد الخطوات الإجرائية التي ستُتّخذ بحق مواطني البلدين الموجودين في الشمال والجنوب». وعن اقتراب موعد الثامن من نيسان المقبل، فقد كشف المسؤول السوداني أن كل جنوبي مقيم في الشمال سيعامَل معاملة أجنبي إذا لم يسوِّ أوضاعه. وقال إن «إعطاء حق التملك والتنقل والإقامة لا يعني إعطاء صفة مواطن كامل الحقوق»، لافتاً إلى أن الاتفاقية التي وُقّعَت مع الجنوب «مشابهة لتلك الموقّعة مع الجانب المصري مثلاً». توضيح تزامن مع خشية الخرطوم من إجهاض الاتفاق الموقع مع جوبا، بسبب حملة الانتقادات الحادّة التي ووجه بها الاتفاق من الطرف السوداني، إذ اعتبر حزب «منبر السلام العادل»، الذي يرأسه خال الرئيس عمر البشير، الطيب مصطفى، أنه «تنازل مهين»، داعياً إلى التراجع الفوري عن «انبطاحة الحكومة». وكترجمة لهذه المعارضة الشرسة للاتفاق مع جنوب السودان، رفع «السلام العادل» لافتات في الشوارع الرئيسية في الخرطوم، حذّر فيها من «حصان طروادة جديد» تجسّده الحريات الأربع التي أُقرَّت في الاتفاق الأخير. ويسود اعتقاد واسع النطاق لدى الكثير من المتابعين، بقدرة هذ الحزب على صناعة الحرب مجدداً بين الشمال والجنوب، وبالتالي فهو، بحسب كثُر، قادر على فتح جبهة داخلية ضد أي وجود جنوبي في الشمال، والعودة بالأمور إلى مربع الحرب. غير أن نائب رئيس «المنبر»، الفريق إبراهيم الرشيد، نفى لـ«الأخبار» أن يكون رفضهم لاتفاق الحريات الأربع يعني العودة إلى حالة الحرب. وقال الرشيد إنّ «منح الجنوبيين الحريات الأربع لا يعني إيقاف الحرب، فهم كانوا معنا متمتّعين بكل الحريات ولم تقف الحرب». ووصف اتفاق الحريات بـ«الطامة الكبرى» التي ستمهد لاختراق عمق السودان وتهديد أمنه الاستراتيجي. وأشار إلى أنه بموجب هذا الاتفاق، ستعود الحرب من خلال الخلايا الاستخبارية التي تحمل جواز سفر جنوبياً، وتهدّد أمن البلاد واستقرارها. في المقابل، يرى البعض أن ما اتُّفق عليه يمثل اختراقاً واضحاً في مسار العلاقة بين البلدين، وأن الأصوات الرافضة له هي «أقلية غير مؤثرة في الشمال». وبحسب المحلل السياسي الطيب زين العابدين، فإن آراء «منبر السلام العادل» انفعالية وتميل أكثر إلى النزعة العنصرية. وأوضح زين العابدين، في حديث مع «الأخبار»، أنّ منبر السلام «لا مانع لديه في إشعال نار الحرب مجدداً».
وفيما يسود تفاؤل حذر من مستقبل العملية التفاوضية بين الخرطوم وجوبا، من المقرر التئام قمة رئاسية تجمع الرئيس عمر البشير بنظيره سلفاكير ميارديت في جوبا نهاية الشهر الجاري، يتم خلالها التوقيع على اتفاقيتي الحدود والمواطنة بصورة نهائية، كقضايا مفتاحية من شأنها تمهيد الطريق نحو حلحلة ملفات أخرى أكثر تعقيداً، في مقدمها ملف النفط.
لكنّ بعض المراقبين يشككون في نجاح الاتفاقية إذا لم تُقرَن بتفعيل لاتفاقية وقف الأعمال العدائية التي وُقّعت بين البلدين قبل شهر. ووفق المتحدث باسم «الجيش الشعبي» فيليب أقوريرو، التابع لدولة الجنوب، فإنّ تحرُّكات القوات المسلحة السودانية على الحدود المشتركة لا تزال مستمرة. وفي حديث مع «الأخبار»، قال أقوريرو «لا نزال حتى الآن نشهد تحركات العتاد والآليات السودانية على الحدود»، وحذّر من أنه «ما لم تنتهِ تلك التحركات، فإن ما تمّ توقيعه في أديس أبابا سيظل حبراً على ورق لأن التنفيذ الفعلي للاتفاقيات يتم على الأرض».