الرباط | في قرية منسية من قرى أقاصي الجنوب الشرقي المغربي (الأطلس الكبير) حكاية صمود بدأت تجذب وسائل إعلام عربية وعالمية، تقاطرت تباعاً على «إميضر» التي تبعد 200 كيلومتر عن ورزازات، لتكتشف سر صمود بسطاء إميضر في اعتصامهم المستمر منذ حوالى ثمانية أشهر، احتجاجاً على تهميشهم من طرف النظام واستغلال ثروات المنطقة الواقعة على كنز من المعادن هو الأكبر في كل أفريقيا، وتستفيد منه شركة مناجم تابعة لمصرف «الهولدينغ الملكي» منذ سنة 1969، بينما يعيش سكان القرية الثائرة حياة البؤس والفقر والحرمان.
يرابط سكان القرية الأمازيغية في قمة جبل «ألبان» التي تحولت إلى أيقونة للحرية والنضال في القرية الصغيرة كجسد واحد إلى أن يتنفّسوا هواءً نقياً. يجتمعون هناك كل مساء نساءً ورجالاً وأطفالاً ليُسمعوا صوتهم لمن يهمه الأمر. فمنذ شهر آب الماضي، قرر السكان المحليون أن يضعوا حداً لاستفادة الشركة المستغلة لمنجم المعادن من مياه البئر، بعد محاصرته احتجاجاً على استغلاله على نحو متعسف، منذ سنة 1986 وبما يحرم السكان المحليين المصدر الوحيد الذي يزودهم المياه. ويتهم المعتصمون شركة معادن إميضر باستنزاف المياه الجوفية، والتسبب في التلوث وإقصاء أبناء المنطقة العاطلين من العمل في المنجم والسطو على الأراضي الفلاحية للسكان، واعتقال عدد من الشباب المحتجين والمعارضين لسياسات الشركة، كما هي الحال بالنسبة إلى مصطفى أوشطوبان، الذي تحوّل إلى رمز لقضية إميضر.
الناشط موحا أكراولي، وهو أحد المعتصمين، لخص معاناة السكان في حديث لـ «الأخبار» قائلاً «إميضر عطشى. الناس هنا لم يجدوا ماءً ليشربوه، إننا متضررون من استعمالهم لهذه البئر، حقولنا جافة وثرواتنا تُستنزف، وصراخنا لا يجد طريقاً إلى آذان من يهمه الأمر». وأضاف «منذ أن قطعنا المياه عن الشركة عادت مستويات الماء في الآبار الفلاحية إلى مستوياتها رغم انعدام التساقطات هذا العام». ومضى يقول «باختصار إنها إميضر كما تركها الاستعمار، وكأن التاريخ توقف، فمعاناتنا مستمرة من جراء غياب البنى التحتية. لا توجد مستشفيات، هناك فقط مستوصف صغير يتيم تعوزه التجهيزات والأدوية، إننا نعاني العزلة، فهناك أحياء لم يصلها نور الكهرباء بعد، ولا توجد فيها أيّ مرافق عمومية ولا حتى طرق معبدة».
ويستعيد الإميضريون أحداث سنة 1996 عندما نظموا اعتصاماً مفتوحاً على جنبات الطريق ووجه بقمع شرس من السلطات، أدّى إلى عدة اعتقالات وإصابات ووفاة أحد الشباب المعتقلين في السجون، مؤكدين أن معركة الكرامة والحياة لا تزال مستمرة إلى اليوم على «درب 96» التي تحولت إلى اسم حركة تمثل السكان.
ويطالب المعتصمون بأن تُخصص 75 بالمئة من التوظيفات في المنجم لشباب إميضر، وهي مطالب يرى مسؤولو الشركة المشرفة على إدارة المنجم أنها تعجيزية وغير واقعية، مشيرين إلى أن «قلة فقط من المتطرفين الذين لا يمثلون السكان المحليين هم من يقودون الاحتجاجات».
كذلك ناشد سكان إميضر تدخل المنظمات المدافعة عن البيئة، بعدما أصبحت المنطقة ملوثة تفوح منها رائحة مادتي السيانور والميركور السامتين، اللتين يطرحهما المنجم، ما سبب ظهور عدة أمراض في صفوف الأطفال والشيوخ، فضلاً عن القضاء على الأراضي الفلاحية وقطعان المواشي.
ويقول بعض سكان إميضر إنهم مثال صادق على المغرب غير النافع الذي يعيش سكانه في زمن العصر الحجري، لا في المغرب الجديد كما يقول إعلام النظام.
وكتب الحقوقي المغربي المعروف أحمد عصيد «تعتمد الدولة المغربية قوانين فرنسية في استغلال الثروات الطبيعية التي هي ملك للدولة، لكنها تقوم بذلك كما يقوم بها الاستعمار تماماً». وأضاف «فإذا كان لمعان الفضة يضيء بعض القصور والبنوك، فإنه ينعكس انعكاساً قاتماً على سكان الأرض التي جادت به».