تفقّد الرئيس السوري بشار الأسد، امس، حي بابا عمرو في مدينة حمص وسط سوريا، والذي كان مركزاً رئيسياً للمعارضين المسلحين في المدينة وتعرض لدمار واسع بسبب المعارك التي دارت بين الجيش السوري والمسلحين. واكد الاسد خلال الجولة، التي شملت شوارع بابا عمرو معايناً ما تعرضت له المباني السكنية والبنية التحتية ومتفقداً الوحدات العسكرية العاملة هناك، ان الحي سيعود «افضل بكثير مما كان»، وان «الحياة الطبيعية» سترجع اليه بعد الاحداث الدامية التي شهدها. وبث التلفزيون السوري الرسمي «صوراً اولية» للزيارة ظهر فيها الرئيس يحيط به محافظ المدينة غسان عبد العال وشخصيات ومواطنون يهتفون له ويتدافعون لالقاء التحية عليه. وبدا الرئيس في الصور التي بثها التلفزيون وهو يستوضح من المحافظ عن الاضرار وعن مدى تقدم اعمال الترميم في الحي. وقال «ضمن الامكانات الموجودة حاليا، لا بد من وضع جدول زمني، وبهذا الجدول الزمني تتم المتابعة (...) حتى يعرف المواطنون متى ترجع الحياة طبيعية». وتبيّن الصور التي عرضها التلفزيون مدى الدمار الذي لحق بالمباني التي ظهرت على بعضها آثار حريق. ووعد الرئيس السوري بحسب الصور التي بثها التلفزيون، الحشد الذي تجمع حوله بأن الحي سيعود «افضل بكثير مما كان عليه من قبل».
وذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» ان الاسد قال لعدد من اهالي بابا عمرو «ان الدولة لم تتأخر في اداء واجبها في حماية مواطنيها، لكنها منحت هؤلاء الذين حادوا عن جادة الصواب اقصى قدر ممكن من الفرص للعودة الى وطنيتهم وإلقاء اسلحتهم». وأضاف «الا انهم رفضوا تلقف هذه الفرص وزادوا في ارهابهم، فكان لا بد من العمل لاستعادة الامن والامان وفرض سلطة الدولة والقانون».
ونقلت الوكالة عن الاسد تشديده على ضرورة «تضافر جهود المحافظة واعضاء مدينة حمص مع اهالي المدينة والعمل بشكل استثنائي لجهة مضاعفة العمل والسرعة في التنفيذ لاصلاح الابنية السكنية واعادة تأهيل البنية التحتية وخاصة المدارس وشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات والمؤسسات الطبية التي تم تخريبها خلال الاعمال الارهابية التي شهدتها حمص». وأكد الاسد، خلال تفقده عناصر الجيش والقوات المسلحة في بابا عمرو، بحسب الوكالة، «ان التضحيات والجهود التي يبذلونها كفيلة بالحفاظ على الوطن وحفظ امنه واستقراره».
وبالتزامن مع جولة الأسد، أعلن المتحدث باسم الموفد الاممي والعربي كوفي انان، احمد فوزي، من جنيف أن «الحكومة السورية كتبت للمبعوث المشترك كوفي انان لتبلغه موافقتها على خطته المؤلفة من ست نقاط والتي وافق عليها مجلس الامن الدولي»، مضيفاً أن «انان كتب الى الرئيس الاسد ليدعوه الى ان تطبق الحكومة السورية تعهداتها على الفور». وتابع ان الاخير يعتبر قرار دمشق «مرحلة اولية مهمة يمكن ان توقف العنف واراقة الدماء»، كما ستسمح بمعالجة «معاناة» الناس و«توجد مناخاً ملائماً لحوار سياسي يلبّي التطلعات المشروعة للشعب السوري». وأكد أن انان «يعتبر الامر بالتأكيد تطوراً ايجابياً لكن المهم هو التنفيذ».
وسارعت فرنسا الى التعليق على الموافقة السورية على خطة انان بالقول انها اخذت علماً بها، وانها تنتظر «تفاصيل الرد السوري» من انان. بدوره قال السفير الاميركي لدى سوريا روبرت فورد «ان من الافضل انتظار افعال لا كلمات» من الرئيس الاسد. وقال فورد، في جلسة استماع للكونغرس الاميركي، ان الرئيس السوري بشار الاسد «لم يظهر اهتماماً بحقوق الانسان». الا أن فورد اعرب عن معارضته لزيادة عسكرة النزاع. وفي السياق، جدّدت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، تأكيدها على «ضرورة امتثال الأسد لخطة كوفي أنان»، مع «أعمال فورية»، بما أن واشنطن «ستحكم على الأسد بناءً على أفعاله لا على أقواله». وقالت كلينتون للصحافيين إن واشنطن تأمل أن يكون الأسد صادقاً في التزامه بنقاط خطة أنان، لكنها حذّرت من «تاريخه في الحنث بوعوده».اما المتحدثة باسم المجلس الوطني السوري المعارض بسمة قضماني فقالت «نود أن نرى حماية للمدنيين اذا كانت هناك إمكانية حتى لهدنة تستمر ساعتين كبداية... أعتقد اننا نرحب بذلك وسنعمل بالتأكيد لكي ينجح». كذلك شددت على ضرورة الإعداد الجيد لأي خطط للتغيير. وقالت «نود ان نرى خطة تحدد تسلسلاً لذلك بطريقة منظمة. نحن نرى أن مبادرة السيد أنان يجب ان تؤدي الى بنود مرجعية واضحة للتفاوض على شكل التغيير لا على ما إذا كان يجب ان يحدث تغيير». أنان، الذي التقى رئيس الوزراء الصيني وين جياباو في بكين وحصل منه على دعم لخطته، شدّد بدوره على الحاجة إلى مساعدة الصين ومساندتها، فيما قال رئيس الوزراء الصيني ان الجهود الهادفة الى ايجاد حل للأزمة هي الآن «في منعطف حساس»، في وقت قال فيه المندوب البريطاني في الأمم المتحدة، مارك ليال، للصحافيين في نيويورك إن انان سيتحدث إلى مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا بعد ظهر الاثنين من خلال دائرة فيديو مغلقة على الأرجح.
وفي موقف لافت، صرح الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف امس بأن فكرة رحيل الرئيس السوري بشار الاسد تنم عن «قصر نظر» ولا تؤدي الى حل الأزمة السورية. وقال مدفيديف على هامش قمة سيول للمراسلين الروس «الاعتقاد بأن رحيل الاسد يعني حل كل المشاكل هو موقف ينم عن قصر نظر وكل العالم يدرك انه في تلك الحالة سيستمر النزاع على الارجح»، على ما نقلت وكالة ايتار تاس. وتابع ان «الشعب السوري وليس القادة المحترمون لدول اخرى، هم من يتخذ القرارات حول مصير سوريا».
بدوره أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش، امس، أن روسيا لن تشارك في لقاء «مجموعة أصدقاء سوريا» الذي سيعقد في الأول من شهر نيسان في اسطنبول، محذّرة من أنه يمهّد الأرضية لتدخّل خارجي في سوريا. ووصف مطالب المعارضة بتغيير النظام بأنها «غير ضرورية» و«لا يمكن تحقيقها».
وفي طهران، اتهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، خلال استقباله نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الولايات المتحدة بالسعي إلى ضرب إيران وسوریا ونهج المقاومة في سبيل إنقاذ إسرائيل «تحت شعار الحرص على حریة الشعوب والدفاع عن حقوق الإنسان». وقال إن الحكومة السوریة كانت خلال الأحداث الأخيرة تواجه المجموعات المسلحة، معتبراً أن الأحداث في سوريا مؤامرة من الحكومات الغربية. وانتقد كيفية تعاطي الجامعة العربیة مع الأزمة السوریة، وأشار الى مقترح الجامعة العربية «لسوریا بالتزام الدیموقراطیة فيما لم تجر الكثیر من دولها أي انتخابات، والقوانین والحقوق ومصائر الشعوب في تلك الدول تتحكم بها فئات خاصة».
ميدانياً، وفي حصيلة جديدة، اعلنت الامم المتحدة ان عدد قتلى الاضطرابات في سوريا ارتفع الى اكثر من 9000 شخص، كما اعلنت الممثلة الخاصة للامم المتحدة من اجل الاطفال في النزاعات المسلحة راديكا كوماراسوامي أن المنظمة الدولية تلقت تقارير تشير الى تجنيد اطفال في «الجيش السوري الحر». وقتل 17 شخصاً، 11 مدنياً و6 جنود نظاميين، في اطلاق نار واشتباكات في سوريا وعمليات قصف، فيما انسحبت القوات النظامية من وسط مدينة سراقب في محافظة ادلب، بحسب ما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان.
(سانا، الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)