سيتوجه الفلسطينيون إلى قلعة الشقيف اليوم بعدما تركوها عام 1982. سيعودون إلى القلعة التي تحصنوا فيها أيام الثورة الفلسطينية، لكن عودتهم هذه المرة إليها هي لإحياء مناسبتين عزيزتين على قلوبهم؛ إحياء يوم الأرض والمشاركة في «مسيرة القدس العالمية». اختيار قلعة الشقيف جاء خياراً أخيراً، وذلك بعد طول انتظار لرد فرع استخبارات الجيش في الجنوب والذي قرر أن تكون التظاهرات شمالي نهر الليطاني. المكان خفف من حماسة المشاركين في المسيرة، ففلسطين المحتلة ولو كانت أقرب إلى اللاجئين من حبل الوريد، إلّا أنها لا تزال بعيدة نسبياً عن العين. إحياء ذكرى يوم الأرض ترافق هذا العام مع «مسيرة القدس العالمية». اختيار 30 آذار لانطلاق المسيرة لم يكن عبثاً، اذ بعد «مسيرة العودة» الأولى العام الماضي، اجتمعت الفصائل الفلسطينية والأحزاب اللبنانية، وقررت أنه في كل عام يجب إحياء مناسبة تتعلق بفلسطين، من أجل «إبقاء القضية الفلسطينية حيّة لدى أبناء المخيمات»، وفقاً لما يقوله أحد مسؤولي حركة «حماس». الناشطون المشاركون من مختلف أصقاع الأرض دعوا إلى التوجه لأقرب نقطة حدود مع فلسطين المحتلة. بعض القوافل المشاركة جاءت من شرق آسيا وتحديداً من إندونيسيا وحطّت رحالها في لبنان، ومنها من جاء من أوروبا إلى تركيا ثم عبر البحر إلى لبنان. البلدان التي اعلنت رسمياً مشاركتها في المسيرة هي لبنان، فلسطين، الأردن ومصر، أما سوريا فشأن آخر. اذ حتى أمس لم يعلن منظمو المسيرة عن أماكن التحرك في سوريا أو نقاط الانطلاق أو إلى أين سيتوجه المتضامنون إذا انطلقت المسيرات من هناك. في لبنان وفي المخيمات الفلسطينية، تحديداً حيث للمناسبة طعم خاص، فإنك لا تجد حماسة لدى ابناء المخيمات للمشاركة في هذه المسيرة، إذ إن الاعلان عنها لم يلق الرواج الذي لقيته المسيرة الأولى والتي سقط فيها ستة شهداء العام الماضي. حتى أن الفصائل الفلسطينية لم تقم بتنظيم حافلات لمن يرغب بالتوجه إلى القلعة، على عكس ما حصل خلال مسيرة العودة. فقط المنضوون إلى هذه الفصائل سينقلون بالحافلات، لضمان أكبر قدر من الانضباط ولعدم تكرار مواجهات يوم النكبة عند الحدود، ولا سيما أن هناك طريقاً خلف القلعة من الممكن ان يوصل مباشرة إلى بوابة فاطمة. مثل هذه الأمور جعلت من الحماسة للمسيرة أقل بكثير من سابقتها في أيار الماضي. على سبيل المثال، في مخيم برج البراجنة، وقبل مسيرة يوم النكبة كانت الملصقات تملأ جدران المخيم قبل الموعد المحدد للمسيرة بأشهر، وكانت التحضيرات لها الحديث الأوحد بين اللاجئين. لكن هذا العام كل شيء مختلف. فبالرغم من رمزية المكان المقصود، يبقى بعيداً عن الحدود مع فلسطين المحتلة، مما دفع العديد من اللاجئين لعدم المشاركة.
أما بالنسبة إلى المنظمين، فإن ما يجري الاعداد له هو «مسيرة رمزية. وعدم كثافة الحشد على غرار العام الماضي يعود إلى صغر الساحة التي ستلقى فيها الكلمات». المشاكل التي يعانيها المنظمون لا تقف عند حدود المكان أو قلة عدد المشاركين ورمزية المسيرة، بل تخطتها إلى حرمان أبناء مخيمات الشمال والبقاع من المشاركة. السبب الذي قيل لهؤلاء هو أن المنظمين لا يملكون «المبالغ الكافية لتأمين الباصات لنقلهم»، يقول احد منظمي المسيرة. أما مخيمات الجنوب، فبدأت الاستعدادات لإحياء يوم الأرض في باحة قلعة الشقيف. وشهدت الأيام الماضية اجتماعات مكثفة بين ممثلين عن اللجنة المنظمة والأجهزة الأمنية اللبنانية لتنسيق التحرك من داخل المخيمات باتجاه القلعة. ومن المفترض أن يبدأ التحرك منذ الساعة التاسعة صباحاً ويستمر حتى الخامسة عصراً على أن يتخلله مهرجان خطابي وتأدية صلاة الظهر في القلعة. كما سيتوجه عدد من الشبان نحو القلعة سيراً على الأقدام تيمناً بمسيرة الأجداد الفلسطينيين الذين هجّروا يوم النكبة. كذلك توجهت مجموعة شبابية أخرى يوم امس من مخيم عين الحلوة سيراً على الأقدام باتجاه صور لتسليم مذكرة احتجاج إلى ممثلي مؤسسات الأمم المتحدة في المدينة.
واستعداد أبناء المخيمات للمشاركة في إحياء يوم الأرض أمام قلعة الشقيف التي ترمز إلى تاريخ المقاومتين اللبنانية والفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، لم يمنعهم من اخفاء الغضب المسيطر عليهم بسبب منعهم من الوصول إلى الحدود الجنوبية لإحياء المناسبة على غرار ما حصل في يوم النكبة العام الماضي. وأبدى أحد الشبان حزنه من عدم تمكنه من تنشق هواء فلسطين مجدداً وثأره لرفيقيه محمد سالم من مخيم البص ومحمود فندي من مخيم البرج الشمالي، اللذين استشهدا برصاص الجنود الإسرائيليين أمام عينيه في مجزرة مارون الرأس.
على صعيد متصل، تبلغت قيادة اليونيفيل من مصادر معنية لبنانية الإجراءات الميدانية التي سيتخذها الجيش اللبناني لمواكبة المسيرة الحاشدة نحو قلعة الشقيف، علماً بأن اليونيفيل كانت قد أبدت خشيتها من تكرار مشهد الزحف نحو الحدود كما حصل في يوم النكبة. وفضّلت عدم وصول الحشود إلى منطقة عملها في جنوبي الليطاني حيث ينتشر جنودها ميدانياً وينفذون دوريات مستمرة. من جهتها، أكدت المصادر اتخاذ التدابير الاحترازية لمنع تكرار مشهد مارون الرأس وعدم إعطاء ذرائع للعدو الإسرائيلي وأطراف أخرى ترغب بتوتير الوضع الأمني جنوباً، علماً بأن الاقتراحات التي طرحت بداية لإحياء يوم الأرض شملت ملعب الراية في بنت جبيل وباحة معتقل الخيام. وعليه، سيتكرر مشهد يوم النكسة عندما منع الجيش اللبناني وصول المتظاهرين إلى منطقة جنوبي الليطاني ونفذ انتشاراً ميدانياً كثيفاً ونصبت حواجز ونقاط تفتيش للسيارات وطلبت هويات المارين.
إسرائيلياً، تسعى سلطات الاحتلال بشتى الوسائل إلى ان لا يتحول يوم الارض الى «يوم انتفاضة جديدة» عبر التنسيق مع دول الجوار او وسائل تهديد وترغيب لمن سيشارك في مسيرات الارض والمسيرة العالمية لمناهضة تهويد القدس سواء في البلاد او خارجها. وقال المحلل السياسي الصحافي روني شاكيد لوكالة «فرانس برس» «اسرائيل غير معنية بتصعيد الوضع بينها وبين الفلسطينين لأنها لا تريد انتفاضة جديدة وليس لها قوة لذلك الآن». واضاف ان «هناك تنسيقاً في موضوع مسيرة لبنان التي ستصل الى مسافة ثمانية كيلومترات مع القوات الدولية المتواجدة على الحدود (يونيفيل)، وقد طالبتها اسرائيل بالتعامل مع من يقترب اكثر من الحدود كمتسللين وردعهم والا فإنها ستطلق عليهم النار». وأكد انه «وصلت الى لبنان وفود من ماليزيا وإندونيسيا والهند وباكستان وتركيا للمشاركة في مسيرات غد على الحدود اللبنانية».
وكانت الاذاعة الاسرائيلية قد اعلنت أول من امس ان اجتماعاً عسكرياً دورياً عُقد الاربعاء في رأس الناقورة بين ضباط اسرائيليين ولبنانيين برعاية قائد قوات اليونيفيل الجنرال الايطالي باولو سيرا ناقشوا فيه موضوع الحدود اللبنانية الاسرائيلية والمسيرة الشعبية. وتابع روني شاكيد «اما في الاردن فإن التظاهرة لن تصل الا الى حدود مدينة الكرامة»، مشيراً الى أن «الاخوان المسلمين اعلنوا انهم لن يحاولوا عبور الحدود». وعن الحدود مع سوريا قال شاكيد إن «سوريا مشغولة بما لديها ولا نعتقد ان اي شيء سيتحرك باتجاه الجولان. فاسرائيل لن تسمح ان يتكرر ما حدث يوم النكبة في العام الماضي». واكد ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو «يريد هدوءاً في المنطقة والتفرغ للموضوع الايراني ولا يريد اي تصعيد مع الفلسطينيين». واضاف «يكفي الآن ما اعلنه مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة عن اعتزامه التحقيق في المستوطنات الاسرائيلية وتداعياتها ومحاولة عزل اسرائيل».