توجه اللاجئون الفلسطينيون الى قلعة الشقيف في يوم الأرض، الجمعة الماضية. وقفوا وتأملوا بلادهم من هنا، بعيدة عن العين، لكنها قاب قوسين او أدنى من القلب. شاهدوا من على تلك التلة المرتفعة، مساكن اسرائيلية تقبع فوق تراب قراهم. هي ليست كقراهم بيوتاً رغم اختلافها تبدو من طينة واحدة، بل كأنها صُبّت في قالب عسكري واحد. أسماء تلك المستوطنات محفوظة عن ظهر قلب، كمواقع عسكرية متقدمة. فهي كانت أهدافاً لصواريخ المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. هكذا أحيا فلسطينيو لبنان «مسيرة القدس العالمية» بالمسير جنوباً، وفيما كانت أجسادهم حبيسة الجغرافيا، طافت أرواحهم جنوب الجنوب، باتجاه الأرض التي أخرجوا منها، والتي اليها ترنو أرواحهم دائماً.
الفلسطينيون في الداخل والخارج أحيوا المناسبتين. قطاع غزة المعتاد تقديم الشهداء كعادته دفع دماً هذه المرة. أما الضفة الغربية معقل الانتفاضتين الاولى والثانية، التي اشتاق أبناؤها إلى مواجهة الجنود على المعابر، فقدمت في ذلك اليوم مئات الجرحى خلال مواجهة الصهاينة.
هذا العام اختلف طعم يوم الأرض، ففيه تغيرت أنظمة عربية عدة كانت تقمع كل من يحاول الخروج نصرة لفلسطين وأبنائها، لكن رغم «التغيرات»، بقيت التظاهرات التي شهدتها دول العالم، وخصوصاً دول الطوق المشغولة بحروبها الداخلية، رمزية. هكذا كان التحرك الأهم بالنسبة إلى هذا اليوم هو الداخل الفلسطيني، حيث كان لكل شيء طعم خاص يذكّر بما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش «الطريق إلى فلسطين لا يمر إلا من فلسطين».
المشهد في الضفة ذكّر بالانتفاضة الثانية عندما لم يكن باليد غير ذاك الحجر. أما في قطاع غزة، فقد قيل إن التظاهرات لن تصل الى المعابر مع العدو، لكنّ الغزيين فعلوها وفاجأونا: صلوا واشتبكوا مع العدو وسقط منهم شهيد.
اختلف المشهد بين الداخل والخارج. في لبنان مُنع اللاجئون من الوصول الى الحدود، واستُعيض لهم عنها بقلعة الشقيف المشرفة على ارضهم، أما في مصر المشغولة بانتخابات رئاستها والمعركة على دستورها، فلم يغصّ فيها ميدان تحرير للمطالبة بتحرير القدس، بينما شهد الأردن التظاهرة الأكبر لسبب ما.
في يوم الارض ايضاً، في الداخل على الأقل، لم يكن هناك فرق بين عربي متظاهر وأعجمي متضامن. كان الجميع فلسطينياً، مجمعاً على قضية واحدة، ومطلب واحد: تحرير فلسطين من البحر الى النهر، لكن من بين هؤلاء المتضامنين هناك من هو مقتنع بفكرة تحرير جزء من فلسطين عبر التفاوض، وهناك من هو مقتنع بتحريرها عبر المقاومة، لكن غرقه في مستنقع السياسة أبعده ولو مؤقتاً عن ذلك، وهناك فئة صغيرة قررت الابتعاد عن وحل الحسابات السياسية وقيود السلطة، وتفرغت لعمل المقاومة. أما الأهم من بين هؤلاء جميعاً، فهو ذلك المسن الذي يقضي وقته في المخيمات، ليروي لأبنائه وأحفاده عن فلسطين وعن شبابه هناك، ليحفر في الذاكرة والقلب قصة وطن محتل.
فلسطين هذا العام كانت قريبة، وفي كل عام نقترب خطوة منها، إذ رغم الخلافات التي سبقت الاحتفال الذي أُقيم في قلعة الشقيف، ومقاطعة بعض أبناء المخيمات لهذه المناسبة بسبب احتكار الفصائل الفلسطينية وسائل النقل الى القلعة، فإنّ في «الحركة بركة»، وذلك كي لا يخمل الجسد الفلسطيني. فبرغم مرور 64 عاماً على النكبة الا أن الجسد الفلسطيني لا يزال يزداد شباباً.