«أن تكون قلعة الشقيف هي الأقرب إلى فلسطين، خيرٌ من أن تحجب الرؤية والمسافة عن أرضنا الطيبة»، كلمات ردّدها الرجل السبعيني محمد عبد الله شعيت، من مخيم الرشيدية، وهو يقف قرب الأسلاك الشائكة، التي كان من المفترض أن تمنع المحتفين بـ«يوم الأرض» ومسيرته في جنوبي قلعة الشقيف ـ أرنون، عن المنحدرات الصخرية الحادة فوق نهر الليطاني، قبل أن تخترقها صفوف المحتشدين من الشبان والفتيان، وسط نداءات متكرّرة لمنظمي المهرجان، بالعودة، لكن من دون آذان صاغية. «يا أخوان هذه ليست فلسطين، فلسطين لا تزال بعيدة 40 كيلومتراً من هنا، هذه أراض لبنانية، فالرجاء ثم الرجاء، عودوا إلى خلف الأسلاك قبل حصول أي مكروه»، بهذه العبارات حاول أحد المنظمين ثني الشبان عن تقدّمهم نحو المنحدرات الوعرة. لكن ثمّة فوضى ظلّت تعمّ المكان. فوضى التنظيم، وفشل حصر المشاركين الفلسطينيين، الذين جاؤوا إلى أرنون بأكثر من مئة باص وحافلة أتت بهم من مخيمات صور وصيدا، في بقعة محدّدة جرى إعدادها كي تكون باحة الاحتفال والصلاة، التي أمّها في موعدها، الشيخ محمد موعد. وركز موعد في الخطبة على أن «القدس يجب أن تعود إلى أهلها، لا المؤتمرات، ولا جلسات مجلس الأمن، ولا المعاهدات ستثنينا عن ذلك أبداً، افهموا يا عرب».
كانت واضحة مقاطعة العديد من القيادات الفلسطينية لهذا المهرجان، ما جعل الحضور الرسمي الفلسطيني هزيلاً، في ظل عدم مشاركة أي من النواب اللبنانيين الجنوبيين، أو ممثلين حزبيين من الصف الأول.
تحدث أحد أعضاء اللجنة التحضيرية «للمسيرة العالمية للقدس» إلى «الأخبار» من دون ذكر اسمه، قائلاً إن «وهج المسيرة أو التجمع قد بهت بمجرد اقامته شمالي الليطاني. نحن نحترم قرارات الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية، لكن كان من الأفضل أن يتخذ هذا القرار قبل شهرين وليس قبل أيام».
وكانت اللجنة التحضيرية تعوّل على مشاركة نحو 15 ألف فلسطيني في هذا اليوم، غير أنّ العدد لم يقدر بأكثر من ثلاثة آلاف مواطن، معظمهم من الشبان والفتيان، احتشدوا في باحة أُعدت للمناسبة، وسط إجراءات أمنية مشددة من قبل الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي على طول الطرقات المؤدية إلى أرنون، بحيث سلك المتضامنون مساراً واحداً، من الزهراني، فالنبطية، مروراً بكفرتبنيت. فيما أُحيطت قلعة الشقيف، التي تجري فيها أعمال ترميم، بسياج شائك وعوائق منعت الدخول إليها.
ورُفعت في مكان الاحتفال لافتة كبيرة كُتب عليها «المسيرة العالمية نحو القدس. شعوب العالم تريد تحرير القدس». أغان تراثية فلسطينية لفرقة «حنين» ألهبت الجماهير، التي راحت تُلوح بالأعلام الفلسطينية. وبعد صلاة الجمعة، ومع وصول وفد عربي وشخصيات من إيران وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وباكستان والهند، بينهم أربعة حاخامات مناهضين للعنصرية الإسرائيلية، أُحيطوا باجراءات أمنية مشدّدة، بدأت مراسم الاحتفال، وأُلقيت كلمات شدّدت على أنّ «أي فعالية جماهيرية تثبت حق الشعب الفلسطيني بقدسه، تقض مضاجع العدو والاحتلال وتحبط محاولته لإثبات السيطرة على القدس».
«بعيدة فلسطين من هنا»، يردّد محمد عبد الله شعيت، ويضيف «أنا شاركت العام الماضي في يوم الاحتفال قرب مارون الراس، واقتربت من الحدود مع الشبان الذين سقط منهم العديد من الشهداء، لكن شممت عبق فلسطين». يتنهد ثم يردف «سأبقى أشارك في هذه المناسبة مهما حييت، حتى العودة، أو التضحية بدمائي من أجل فلسطين التي لن تعود إلا بالبندقية. ليس صحيحاً أن هناك سلاماً».
وشاركت «الحاجة» إم قاسم في مسيرة أمس «مثلما شاركت العام الماضي في مارون الراس». تقول «لكن هناك تعذبنا كثيراً. حاولت رؤية الأراضي الفلسطينية من هنا، لكنني لم أستطع، بعيدة ونظري لم يطلها، أتمنى رؤيتها في كل يوم».
وعلى طول الحدود الجنوبية، ساد الهدوء على خلاف العام الماضي من «يوم الأرض». ولم تشهد منطقة بنت جبيل أي حركة غير عادية، باستثناء الانتشار الكثيف للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.

* شارك في التغطية داني الأمين من مارون الراس