الجزائر | تعكف خلايا مختصة في أجهزة الأمن الجزائرية، منذ أيام، على التدقيق في قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية، بحثاً عن «ممنوعين يتعارض وضعهم القانوني مع ممارسة النشاط العام»؛ وقد بدأت عمليات الفحص هذه بعد استكمال إيداع القوائم الانتخابية لدى المصالح الإدارية المختصة. وقالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إن الأجهزة الأمنية كرّست لإنهاء هذا الفحص في الآجال المحدّدة قانوناً عشرات الأعوان للتدقيق في القوائم الانتخابية اسماً اسماً، والتأكد من «خلّوها من كل الشوائب الأمنية». وفي حال ظهور عائق إداري أو أمني، يتم شطب اسم المرشح آلياً من القائمة، ويطلب من الجهة التي رشحته تقديم البديل. وسبق أن أُلغيت قوائم بأكملها، في استحقاقات انتخابية ماضية. لذا، لا تعتبر العملية استثنائية، وخصوصاً في بلد مثل الجزائر، الذي شهد سنوات طويلة من الإرهاب والعنف السياسي، حيث حُكم على الآلاف من المساجين أو المتمردين، الذين سلموا السلاح، بانتزاع حقوقهم المدنية، ومنها حق الترشيح للانتخابات. لكن بعض الأحزاب تخشى أن يُستعمل هذا «السلاح الأمني» لأغراض سياسية، من أجل التضييق على أحزاب وتيارات معينة. وهناك حديث عن احتمال تعرض العديد من قوائم المستقلين، وخصوصاً في العاصمة، للإلغاء الكامل. ومن بين القوائم المستهدفة تلك التي تقدم بها منشقّون عن جبهة التحرير الوطني، حزب الغالبية الحالي. وتعدّ عملية «الغربلة الأمنية» من أهمّ المراحل قبل اعتماد القوائم النهائية بأسماء المتنافسين على مقاعد البرلمان. وتمرّ عملية التصديق على القوائم بأربع مراحل: بدءاً من تصميمها على مستوى الولايات، ثم تجميعها على المستوى المركزي، لتصادق عليها قيادات الأحزاب. وأحياناً يتم إدخال تعديلات عليها، ما يثير نزاعات حادة بين القيادات الحزبية وقواعدها الشعبية، كما جرى أخيراً.
وبعد اعتماد القوائم من قبل القيادات المركزية للأحزاب، تبدأ مرحلة الغربلة الأمنية، لتعود بعدها إلى الأحزاب، إما مزكّاة أمنياً ومعتمدة رسمياً، أو مرفقة بطلب تغييرات في حال شطب أجهزة الأمن بعض المرشحين، كما حدث في الاستحقاقات الانتخابية الثلاثة الأخيرة، حيث رُفضت عشرات القوائم لاحتوائها على أسماء تعدّ من «بقايا جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة»، التي فازت بأول انتخابات تعددية في البلاد، عام 1991، لكن نتائج تلك الانتخابات أُلغيت بقرار من الجيش، وتم حل «الإنقاذ» بعدها بأسابيع، وسُجن الكثير من قياداته، بينما التحق آخرون بالعمل المسلح.
وكانت عملية «الغربلة الأمنية» إجراءً عادياً في الانتخابات السابقة، حيث قبلت به القوى السياسية المشاركة، ولو على مضض. لكن الأمر اختلف هذا العام، فقد أعرب العديد من التشكيلات السياسية، وفي مقدّمها «جبهة القوى الاشتراكية»، أكبر أحزاب المعارضة السلمية الجزائرية، وأكثرها راديكالية في مناوئة القبضة الأمنية للنظام، عن استيائها من هذه العملية، وخاصة أن أجهزة الأمن استدعت بعض المرشحين، وأخضعتهم للاستجواب، لمعرفة تفاصيل عن فترات زمنية معينة أو «نقاط ظل» في حياتهم ومسارهم السياسي.
واعتبرت قيادة «القوى الاشتراكية» أن تدخل الأمن على نحو مباشر في تحديد قوائم المرشحين هو «إجراء متخلف موروث عن العهد البائد، حين كان الأمن هو الحزب وهو الحكومة وهو البرلمان وهو كل شيء في البلد. ومن غير الطبيعي استمرار هذا السلوك، لأنه يناقض أبسط القواعد الديموقراطية».
تجدر الإشارة الى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الاستحقاقات الانتخابية؛ فالإدارة الجزائرية ترتكز كلياً على التزكية الأمنية في العديد من القطاعات الحيوية. فمن يريد تأسيس صحيفة، مثلاً، يتم إخضاعه لتحقيق أمني معمق، ولا يمنحه القضاء الاعتماد القانوني ليصبح ناشراً، إلا إذا حاز التزكية الأمنية. وجميع المرشحين لتبوّء مواقع في مختلف مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية يحتاجون إلى مثل هذه التأشيرة الأمنية. ومع ذلك، فإن أكثر ما تكرهه السلطات الحاكمة في الجزائر هو أن يُوصف نظامها بأنه أمني.