قبل نحو عام من اليوم اعتقل الناشط الحقوقي، مؤسس مركز الخليج لحقوق الإنسان، عبدالهادي خواجة، من داخل بيته بعد ضربه وإهانته، بتهمة عادة ما توجه إلى المعارضين في البحرين، وهي محاولة قلب النظام. بعد شهرين، أي في حزيران، أصدرت محكمة السلامة الوطنية حكماً بالمؤبد بحقه ومعه 7 رموز آخرين للمعارضة هم: زعيم حركة «وفا» عبد الوهاب حسين، وزعيم حركة «حق» حسن علي مشيمع، ومحمد حبيب المقداد وعبد الجليل المقداد وعبد الجليل السنكيس (حق)، وسعيد ميرزا أحمد النوري، إضافة إلى زعيم حركة «أحرار البحرين» سعيد الشهابي الذي حوكم غيابياً وهو في لندن.
وعندما أدرك الخواجة أن جميع الضغوط وأساليب الاحتجاج السلمية، بينها التظاهرات التي لم تتوقف منذ الانتفاضة في شباط العام الماضي، رغم تحوّلها في بعض الأحيان إلى العنف عبر ما سمّاه المنتفضون «حق الدفاع عن النفس ولو بالقوة»، لم تنجح في ردع النظام والإفراج عن المعتقلين، قرّر التصعيد، وبدأ في التاسع من شباط الماضي إضرابه عن الطعام.
الآن، يدخل الخواجة يومه الـ61 من الإضراب. حالته الصحية في تدهور. نُقل خلال الأسبوع الماضي أكثر من مرّة إلى المستشفى، بعدما توقف عن تناول السكّر. فقد 25 في المئة من وزنه. يعاني من تبوّل دم بما ينذر بإصابته بفشل كلوي. وقال الأطباء إنه إن بقي حياً، فقد يواجه خطر الإصابة بعاهة مستديمة أو تلف كامل في أحد أعضاء الجسم. لقد سبق أن أعلنها معركة «شهادة أو حرية».
ليس الخواجة وحده من يواجه خطر الموت، هناك «مشروع شهيد» آخر هو الشيخ حسن مشيمع الذي كان قد تماثل للشفاء من مرض السرطان، قبل اعتقاله عند عودته من المنفى في آذار من العام الماضي. وبسبب إهمال السلطات، عاد المرض إليه. وهو بدوره يرفض تلقّي العلاج، بعدما اختبر أنّ كلّ ما فعلته السلطات في ما خصّ علاجه كان المماحكة والمماطلة من دون تقديم أي علاج مفيد له، ليتبيّن لاحقاً أنّ «جسماً غريباً» قد عاود الظهور في كبده منذ كانون الثاني الماضي، ولم يعلم بذلك إلا منذ أيام. هذا ما يؤكّده في رسالته (يمكن الاطلاع عليها على موقع الأخبار) ويوضحه ابنه علي لـ«الأخبار»، المضرب عن الطعام منذ 6 أيام تضامناً مع أبيه والخواجة.
ويقول علي إنّ السلطات لم تستجب لعرضه على طبيب خاص إلا بعد تسعة أشهر. ونقل عن الطبيب قوله إنه «لا يستطيع أن يحدد هذا الجسم الغريب إلا من خلال صورة أشعة خاصة غير متوافرة في البحرين، لذلك يجب نقله بصورة عاجلة إلى بريطانيا». واتهم علي السلطات بأنها تقتل والده رويداً، مشيراً إلى أنه «حتى لو أطلق سراحه، فإن المرض يكون قد استشرى في جسمه». وأكّد أن والده رفض التجاوب مع علاج السلطات بعد الخداع الذي استخدموه، إذ وقّع «14 طبيباً على ورقة (تفيد) بأنه لا يعاني شيئاً، وتعمّدوا إبقاءه في حالة نفسية قلقة، وسبق أن حاولوا الترويج لموته، وتبيّن لاحقاً من خلال فحص أُجري في كانون الثاني أن جسماً غريباً في كبده ولم يطلعونا (عليه) إلا الآن. هم يتعمدون قتله». بدوره، أوضح المحامي محمد التاجر لـ«الأخبار» أنهم «ليسوا متأكدين من معاودة المرض، فالأمر يحتاج إلى تشخيص وصورة أشعة. لكن بعض الأعراض التي كان يعاني منها قبل عامين، وقت إصابته بالمرض، قد عاودت الظهور ». وهو ما يوضحه مشيمع في الرسالة التي نقلها عنه التاجر.
الخواجة ومشيمع زعيمان للمعارضة التي تسمّى «المتشدّدة». ناضلا من أجل المطالب الإصلاحية في أكثر من محطة. اعتُقلا وعُذّبا ونُفيا ثم رُميا في السجن كي يموتا رويداً، بما أنّ كل الأساليب لم تنجح في إسكاتهما أو إخماد صوتيهما.
«خطر الموت» الذي يتهدّد الخواجة ومشيمع لا يعني السلطات التي تثابر حتى الآن على عنادها، رافضةً إطلاق سراح المعارضين، رغم أنّ لجنة تقصّي الحقائق التي ألّفتها أكّدت أنّ الأحكام الصادرة بحقهما كانت بسبب آرائهما السياسية، وقد رحّبت بدورها بتوصياتها، ومع ذلك لا تستجيب. وكيف تفعل ذلك، ولم تقدم حتى اللحظة أي دولة، إذا استثنينا إيران التي يعدّها البعض طرفاً في الأزمة، على إرسال «رجاء» إلى السلطات البحرينية بأن ترفع جورها عن هؤلاء؟ رغم أنّه مقابل هذا الصمت الدولي القاتل، لم تتوان أي منظمة دولية وإقليمية عن إدانة ما يجري، وطالبت السلطات البحرينية بالإفراج عن هؤلاء المعتقلين. أما «أهل البيت»، فأصبح التظاهر اليومي عادة لهم، وتلقّي الغازات السامة والرصاص المطاطي ولعبة القط والفأر مع شرطة مكافحة الشغب، جزء من حياتهم اليومية. وبعدما شارف الخواجة على الموت، تزحزح الضمير الأوروبي، وقررت الدنمارك، بما أن الخواجة يحمل جنسيتها، الطلب من البحرين نقل الخواجة إليها بسبب «إنسانية الحالة». لكن السلطات رفضت هذا الطلب، بحجة أن «قانون الإجراءات الجنائية بشأن تسليم المحكوم عليهم إلى الخارج لا يشمل حالة عبد الهادي الخواجة».
محامي الخواجة، محمد الجشي، أكّد أنّ القوات البحرينية اعتقلت الناشطة زينب الخواجة، ابنة عبد الهادي، لمدّة يومين، بعدما رفضت أن ترحل أو تتوقف عن الصراخ «بابا» بين المتظاهرين المتجمهرين أمام مستشفى السجن، حيث نُقل أبوها. زينب استدعت مساء أمس للتحقيق بسبب المشاركة في التظاهرة، بحسب ما أكّدت لـ«الأخبار» (انظر الكادر). وقالت إنهم لم يسمعوا شيئاً عن والدها منذ يومين، وأشارت إلى أن المحامي قال لهم إنه لا يعلم إن كان والدها حياً أو ميتاً. وأوضحت أن آخر اتصال تلقّوه من والدها كان قبل يومين، وكان يعاني من صعوبة في النطق، ويشكو سوء المعاملة.
تحت عنوان «والدي يموت» كتبت شقيقة زينب، مريم: «في عامي الرابع والعشرين تعلمت كيف يحدد العالم قيمة الحياة. في البحرين، معيشة أمة بأكملها لا تساوي قيمة برميل واحد من النفط السعودي إلى دول الغرب. فالسياسة والمصالح الجغرافية السياسية هي التي تقرر، إذ يستطيع شعب الحياة بكرامة أو النظر إليهم بنظرة أدنى من كونهم آدميين». وأضافت «إنني أخشى دائماً من أن تأتيني مكالمة هاتفية لتحمل خبراً أنني لن أستطيع رؤية والدي مرة أخرى. لا أستطيع تخيّل الحياة بدون والدي، ولا أستطيع التصالح مع عالم يسمح لوالدي بأن يموت... والدي، عبد الهادي الخواجة يحتضر ليعيش، حرفياً».



اعتقلت لأنها قالت «إنت مو رجّال»


استدعت الشرطة زينب الخواجة، أمس، للتحقيق معها، بعد اعتقالها لمدّة يومين. أما التهمة هذه المرّة فهي «السبّ». ما هو فحوى هذا «السبّ»؟ هو القول لواحد من الرجال الذين كبّلوها بكرسي متحرك، بعدما وعدها بأنه سيأخذها إلى والدها عندما كانت تحتجّ أمام المستشفى العسكري: «إنت مو رجّال. أنت قلت لي إنك ستأخذني ولم تفعل». وتروي زينب لـ«الأخبار» ما جرى لها، وتقول إنهم قرروا أمس إخلاء سبيلها بعد التحقيق معها بتهمة «التعدّي على شخص من خلال السبّ: القول له إنت مو رجال». وتوضح أنها في المرّة الأخيرة ذهبت لترى والدها في المستشفى، فمُنعت من الدخول وراحت تنادي «بابا بابا»، عندها تقدم منها أحدهم وقال لها «سآخذك إلى أبيك»، لكن لم يفعل. ثم أتى ثلاثة رجال وقيّدوها في كرسي متحرك، عندها توجهت إلى الرجل الذي وعدها بأخذها إلى والدها «إنت قلت أنك توديني لوالدي، وما كنت قدّ كلمتك، إنت مو رجّال»، فأجابها «إنتي الحين تقولين أني مو رجال لوديك التحقيق».
وقالت زينب إنها اعتُقلت لمدّة يومين في سجن نسائي، ولم تتعرض خلالها للمضايقات، لكن جرى التحقيق معها، مؤكّدة تمسكها بالاحتجاج السلمي حتى نيل المطالب.

بيان الأستاذ حسن علي مشيمع