الجزائر | تعرّض حزب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، أمس، لزلزال داخلي يهدّد بتقليص حظوظه في الحفاظ على الغالبية خلال الانتخابات البرلمانية التي ستجري في الشهر المقبل، وذلك بعد انقلاب أطاح الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم. فقد سحب، أمس، أغلب أعضاء اللجنة المركزية لـ«جبهة التحرير الوطني»، حزب الغالبية الحالي، ثقتهم من الأمين العام للحزب، عبد العزيز بلخادم، ومن المكتب السياسي، وقرّروا الدعوة إلى مؤتمر استثنائي عاجل لتعيين قيادة مؤقتة لتسيير الحزب قبل انتخابات العاشر من أيار المقبل. ووقّع بيان سحب الثقة، الصادر عن اجتماع عقد عصراً في مقر الحزب في الجزائر، 220 شخصاً من أصل 351 عضواً في اللجنة المركزية للحزب.
وأكّد وزير الإعلام السابق، الناطق باسم المجموعة التي أطلقت مبادرة سحب الثقة من بلخادم، بوجمعة هيشور، أن «هذه الخطوة ترمي إلى إنقاذ الحزب من السقوط قبيل معترك الانتخابات التشريعية المقررة بعد شهر». وقال، في تصريحات عقب الاجتماع، إن المبادرة جاءت بعد «حصول اتفاق على ضرورة تصحيح مسار الحزب، لأنه حاد عن خطه السياسي». واتهم هيشور بلخادم بـ«خدمة أجندات غير مناسبة لتوجهات جبهة التحرير»، لكنه لم يحدد طبيعة هذه الأجندات.
وكان بلخادم قد أعلن، أول من أمس، أنه لا علم له بعقد اجتماع لمناقشة سحب الثقة من قادة الحزب، وقال إنه غير معني بمثل هذا الاجتماع، لأنه لم يبلغ به. وقالت مصادر من داخل الحزب إنه «اختفى بعد ذلك، حاملاً معه مفتاح قاعة الاجتماعات، على غير العادة، آملاً أن يؤثر ذلك على قرار المعارضة في عقد الاجتماع الهادف إلى إطاحته». وتجدر الإشارة الى أنه سبق أن شكّل معارضون لبلخادم، قبل عامين، ما سُمي «حركة التصحيح والتقويم». لكن الرجل استنجد بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يشغل منصب الرئيس الشرفي للحزب، وتمكن آنذاك من تحييد معارضيه وإبعادهم عن مواقع القرار في الحزب، وحشرهم في زاوية ضيقة، لتقليص حيويتهم وقدرتهم على التأثير. لكن الصراعات الانتخابية في الأسابيع الاخيرة زادت حدة الخلافات داخل «جبهة التحرير»، لتطفو مجدداً على السطح بفعل التجاذبات المتعلقة بتوزيع المقاعد على قوائم الترشيح للانتخابات البرلمانية.
ويبدو أن الرئيس بوتفليقة قرر هذه المرة عدم التدخل، وترك الأمور تسير وفق ما جرت عليه العادة في صفوف «جبهة التحرير»، منذ فترة الثورة الجزائرية، أي التغيير من خلال إطاحة القيادات عبر انقلابات داخلية. ولم تتضح بعد أسباب عدم تدخل الرئيس الجزائري لإنقاذ بلخادم الذي يعد أحد أقرب المقربين منه.
ويعد هذا الانقلاب الرابع في صفوف جبهة التحرير، خلال الـ15 عاماً الأخيرة. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ بلخادم نفسه وصل إلى قيادة الحزب بانقلاب نفذه قياديون في الحزب، بمساعدة أجهزة الاستخبارات والإدارة والقضاء، ضدّ الأمين العام السابق، علي بن فليس، بعدما تجرأ على ترشيح نفسه خلال الانتخابات الرئاسية، في نيسان 2004، منافساً للرئيس بوتفليقة. ومنذ نصف قرن، لم يسبق لأي من قادة «جبهة التحرير» أن وصل إلى القيادة أو تخلى عنها بسلاسة. فقد تناوب على قيادة هذا الحزب التاريخي، الذي قاد حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، 7 رؤساء جميعهم تولوا هذا المنصب بانقلاب وخرجوا منه بانقلاب.
لكن الانقلاب هذه المرة يأتي في ظرف حرج، قبل شهر واحد من استحقاق انتخابي بالغ الأهمية، ما سيكون له بالتأكيد تأثير كبير على النتائج، بما قد يفقد «جبهة التحرير» مكانة الصدارة التي تحتلها منذ عام 2002، حين حصدت نصف عدد مقاعد البرلمان. ويأتي هذا الانقلاب ليعقد أكثر حسابات السلطة الحاكمة، في ظل توقعات بعودة قوية للإسلاميين في هذه الانتخابات، بعدما تأكدت مشاركة جماعة عبد الله جاب الله، المدعومة من بقايا «جبهة الإنقاذ» المحظورة، وتشكيل «حلف الجزائر الخضراء» الذي يضم 3 تنظيمات إسلامية معتدلة، بقيادة «حركة مجتمع السلم» الإخوانية.