تونس | في مشهدين متناقضين، أحيت تونس، أمس، ذكرى «عيد الشهداء» الذي يصادف في 9 نيسان من كل سنة، تقديراً لتضحيات الشهداء الذين سقطوا برصاص قوات الاستعمار الفرنسي، يوم 9 نيسان 1938. المشهد الأول كان حشداً شعبياً كبيراً، يذكّر إلى حدّ بعيد بأيام «ثورة الكرامة» التونسية، حيث تدفق المتظاهرون إلى شارع الحبيب بورقيبة، لكنهم اصطدموا بقمع قوات الشرطة. أما المشهد الثاني، فقد كان بروتوكولياً، حيث أشرف «حكام تونس الجدد» على إقامة موكب رسمي لإحياء المناسبة في مقبرة الشهداء بضاحية السيجومي.
على الرغم من حرمة ذكرى عيد الشهداء، لم تتردد الشرطة التونسية في تفريق آلاف المشاركين في هذه التظاهرات، باعتبارها «تحدّياً معلناً» للقرار الأخير الذي أصدرته وزارة الداخلية بمنع التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة، وسط العاصمة، إثر المواجهات التي حدثت بين رجال المسرح والسلفيين، قبل أسبوعين، خلال الاحتفال باليوم العالمي للمسرح .
ولجأت قوات الشرطة إلى العنف لتفريق المتظاهرين باستعمال الهراوات والقنابل المسيلة للدموع. وتكرر هذا للمرة الثانية، خلال يومين، حيث ووجهت بالقوة أيضاً تظاهرة أخرى نظّمها، السبت الماضي، اتحاد الشباب العاطلين من العمل. وكان استعمال العنف لتفريق تلك التظاهرة ومنعها من دخول شارع الحبيب بورقيبة، الدافعين الرئيسيين لتنظيم «تظاهرة التحدّي» في ذكرى عيد الشهداء، حيث انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي دعوات إلى رفع التحدي، فور انتشار خبر قمع تظاهرة العاطلين من العمل، من أجل «توجيه رسالة واضحة إلى الحكومة بأن المطالبين بالحرية والكرامة لن يتراجعوا ولن يخافوا من القمع البوليسي».
تظاهرات عيد الشهداء غلبت عليها التيارات اليسارية والعلمانية المعارضة، التي رفعت شعارات تطالب بـ«سقوط حكومة الترويكا» وتدعوها إلى «تقديم استقالتها». كذلك أدان المتظاهرون «القمع الذي تمارسه ميليشيات النهضة»، في إشارة إلى مشاركة عناصر من شباب حركة النهضة في قمع تظاهرة العاطلين من العمل السبت الماضي.
وبعد إطلاق القنابل المسيلة للدموع لمنع حشود عيد الشهداء من دخول شارع بورقيبة، انتشر المتظاهرون في الشوارع الفرعية، ولجأ بعضهم إلى المقاهي المجاورة، واستمروا بالهتاف بسقوط «مشروع النهضة، الذي يهدد الحريات ولا يحترم خصوصيات الشعب التونسي».
وأجمع المراقبون على أن ما حصل أمس في شارع الحبيب بورقيبة يمثّل سابقة تذكّر إلى حدّ كبير بالممارسات التي كانت سائدة في عهد بن علي، من حيث استعمال القبضة الأمنية الحديدية لمنع حرية التظاهر والتعبير السلمي، الأمر الذي يعني أن حرية التظاهر التي تعدّ «أحد أبرز الأهداف التي قامت الثورة التونسية من أجلها، أصبحت من جديد في مرمى هراوات الأمن والغازات المسيلة للدموع». القمع الذي شهدته التظاهرات، أمس، لم تعهده تونس منذ إطاحة النظام السابق، و«لم ينقصه سوى الرصاص الحي»، كما قال بعض المتظاهرين. وخير دليل على ذلك أن التظاهرات شهدت مشاركة شخصيات سياسية وحقوقية بارزة، بينها نواب من المجلس التأسيسي لم تستثنهم هراوات الشرطة. وتعرّض رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، عبد الستار موسى، لاعتداء بالغ العنف من قبل الشرطة، ما أدى إلى إصدار بيانات إدانة شديدة اللهجة من قبل الرابطة والعديد من الفاعليات من المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والنقابية.
وقالت الحقوقية الشهيرة، سهام بن سدرين، إن قمع المتظاهرين أمس «تخللته فظائع لا يمكن السكوت عنها، ومنها تعرّض أحد الشبان لإلقائه من على سطح إحدى العمارات من قبل رجال الشرطة. وتردّدت أخبار عن مقتل إحدى المتظاهرات، إثر ضربها بهراوة على الرأس، لكن ذلك لم يتأكد من مصدر رسمي أو صحي».
ونددت الناشطة الحقوقية البارزة، راضية النصراوي، بما حدث أمس، قائلة إنه «يذكّر بصور القمع في أيام بن علي». ومن جهته، دعا المثقف والإعلامي البارز، صلاح الدين الجورشي، إلى «فتح تحقيق عاجل في أسباب هذا التعنيف البوليسي». لكن وزير الداخلية النهضوي علي العريض الذي حضر الحفل البروتوكولي المتعلق بإحياء عيد الشهداء في مقبرة السيجومي، رفض في تصريح إلى إذاعة «شمس آف آم» التعليق على من يقارنون التعنيف الذي حصل أمس في شارع الحبيب بورقيبة بممارسات النظام السابق، واكتفى بالقول إن قرار منع التظاهرات في شارع بورقيبة يعود «لما تسبّبه التظاهرات من ضرّر للمحال التجارية في هذا الشارع، وللحركة الاقتصادية في وسط تونس العاصمة ككل». وأضاف: «يجب ألا يتعارض مبدأ حرية التظاهر مع حماية حرية الحركة الاقتصادية».