الخرطوم ــ الأخبار لم يدم الأمر طويلاً حتى تفرج حكومة جنوب السودان عن الهدف الرئيسي من خطوتها المفاجئة بالسيطرة على منطقة هجليج الواقعة في عمق الأراضي السودانية. فبعد ساعات فقط من تهديد رئيس دولة الجنوب، سالفاكير ميارديت، بأن قواته ستتقدم إلى منطقة أبيي المتنازع عليها إذا لم تخرج منها قوات الشمال، أعلن وزير الإعلام في جنوب السودان، برنابا ماريال، لائحة شروط محددة على الخرطوم للموافقة على سحب قوات بلاده من منطقة هجليج، في مقدمتها انسحاب القوات السودانية من أبيي المتنازع عليها، فضلاً عن وقف «السودان كل اعتداءاته البرية والجوية فوراً»، إلى جانب نشر «مراقبين دوليين» للقيام بدوريات على طول منطقة حدودية منزوعة السلاح، إلى أن يُتّفق على ترسيم الحدود المشتركة بين البلدين بموجب تحكيم دولي.

أما في الشمال، فاكتفى الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتحميل جنوب السودان المسؤولية عن اختيار «طريق الحرب»، بالتزامن مع تضارب الأنباء بشأن إعادة القوات السودانية سيطرتها على هجليج مرة أخرى بواسطة فرقة خاصة من القوات المسلحة أنشأها الرئيس عمر البشير وأسند رئاستها إلى لواء في الجيش.
وحسب تسريبات لـ«الأخبار»، فإن التعليمات الرئاسية لتلك الفرقة كانت استعادة هجليج خلال 48 ساعة. وأفادت مصادر مطّلعة بأن الرئيس السوداني تجاوز وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين في إنشاء تلك الفرقة الخاصة بالتزامن مع حالة الاستياء في الشارع العام من وزير الدفاع الذي يتحمّل في نظر كثيرين المسؤولية الكاملة عن تلك
الأحداث.
وهو ما دعا المواطنة هبة حسن إلى مطالبة الوزير بتقديم استقالته فوراً، لأن تكتيكات الوزير الحربية هي التي أدت إلى دحر قوات الجيش السوداني. وواصلت انتقاداتها له بقولها «الوزير قام بمناورة عسكرية داخل حدود دولة الجنوب حينما أرسل دبابتين إلى الأراضي الجنوبية في حركة استفزازية، وكان وبال ذلك الفعل وخيماً، بعدما ردّ الجيش الشعبي باكتساحه لمساحات شاسعة داخل الحدود الشمالية»، مطالبةً الرئيس السوداني بإقالة وزير الدفاع إذا لم يتقدم هو باستقالته.
إلّا أن وزير الدفاع حاول احتواء الغضب المتصاعد بشأن دوره، وبعث خلال اجتماع لجنة التعبئة برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه، أمس، برسالة تطمينية مفادها «أن القوات المسلحة والدفاع الشعبي قادرون على تجاوز هذه المرحلة في أسرع وقت»، وذلك بعدما تحدث عن وضع خطة متكاملة عبر منسقية الدفاع الشعبي بشأن متطلبات هذه المرحلة من إسناد مدني، عسكري، مادي، سياسي وتعبوي.
أما الرئيس السوداني، فقد بدا حريصاً، خلال توديعه رئيس النيجر يوسوفو محمدو، على التأكيد أن الخرطوم لم تكن تطمح إلى أن تسوء الأمور إلى هذا الحد، متّهماً «إخواننا في جنوب السودان (بأنهم) اختاروا طريق الحرب تنفيذاً لأجندات خارجية لجهات كانت تدعمهم أثناء الحرب الأهلية». وأضاف «الحرب ليست في مصلحة جنوب السودان أو السودان، وللأسف إخواننا في الجنوب لا يفكرون في مصلحة السودان أو جنوب السودان»، فيما أكد والي جنوب كردفان، أحمد هارون، أن الجيش السوداني «يتعامل مع الموقف، ونأمل إنهاء العملية خلال ساعات».
أما في جوبا، فقد صعّد رئيس جنوب السودان من لهجته أمام برلمان بلاده، في الوقت الذي اتهمت فيه جوبا طائرات سودانية بأنها قصفت للمرة الأولى عاصمة ولاية الوحدة، بنتيو، مستهدفة أحد الجسور الذي يربط بنتيو بالطريق المؤدي إلى الشمال. وأوضح ميارديت «هذه المرة لن أصدر أوامر إلى قوات (جنوب السودان) بالانسحاب من هجليج»، لافتاً إلى أنه أكد للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «أنه إذا لم تنسحب قوات (عمر) البشير (الرئيس السوداني) من أبيي، فسنعيد النظر في موقفنا، وسنتقدم باتجاه أبيي».
وجاءت التصريحات المتشددة لميارديت، ومن بينها قوله لبان «لست تحت أوامرك»، بالتزامن مع استمرار صدور المواقف الدولية المطالبة بضبط النفس وإعادة الهدوء إلى جانبي الحدود، وسط إجماع دولي على تحميل جنوب السودان المسؤولية عن تدهور الموقف.
الموقف الأبرز جاء من المندوبة الأميركية في مجلس الأمن الدولي، سوزان رايس، المعروفة بانحيازها إلى الجنوب. وأوضحت رايس في ختام اجتماع لمجلس الأمن الدولي، أن «على الجانبين أن يستأنفا المفاوضات ويوقفا المعارك».
وأضافت «أكدت الدول الأعضاء أن على الجيش الشعبي لتحرير السودان أن ينسحب فوراً من هجليج وعلى السودان أن يوقف الغارات الجوية وتوغله في جنوب السودان».
من جهته، أجرى بان اتصالاً بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، في واشنطن، بالتزامن مع دعوة وزارة الخارجية الأميركية البلدين إلى «إنهاء المعارك فوراً ومن دون شروط والعودة إلى طاولة المفاوضات». كذلك شملت مباحثات بان بشأن سبل احتواء النزاع كلاً من رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي، وممثل السودان الدائم في الأمم المتحدة، دفع الله الحاج علي، لدعوة الخرطوم إلى «أعلى درجات ضبط النفس والامتناع عن شنّ عمليات عسكرية جديدة».
أما وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، فأكدت أن احتلال جنوب السودان لمنطقة هجليج «غير مقبول إطلاقاً».
وعبّرت آشتون عن أسفها أيضاً لقصف طائرات الخرطوم لأراض في الجنوب، مؤكدةً أنها «تشعر بقلق عميق من تصاعد النزاع المسلح على الحدود». بدوره، طالب المبعوث الخاص للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لدارفور، إبراهيم قمباري، حكومة الجنوب بالكفّ عن دعم حركات دارفور المتمردة.
إلى ذلك، أوضحت صحيفة «الغارديان» أن اللجنة البرلمانية للتنمية الدولية حذّرت في تقريرها من أن برنامج المساعدات الذي خصصته المملكة المتحدة لجنوب السودان للتعامل مع احتمال وقوع أزمة إنسانية «يواجه الخطر قبل أن يبدأ جرّاء فقدان عائدات النفط، وتزايد عدد العائدين واللاجئين، وانتشار العنف بين الجماعات العرقية».
ووفقاً للصحيفة، فإن التقرير شدد على أن الأولوية الرئيسية لبرنامج المساعدات لجنوب السودان «يجب أن تركّز على منع وقوع كارثة إنسانية في هذا البلد، لأن المملكة المتحدة وغيرها من الجهات المانحة لا يمكنها توقّع أن تكون قادرة على تمويل هذا البلد في الوقت الذي يكافح فيه من دون عائداته النفطية».