يُحكى أن «حمار بوريدان» وقف بين حزمتين من التبن متطابقتين في الحجم والشكل، لكنه لم يستطع حزم أمره واختيار إحداهما، فقضى جوعاً! ليس المقصود هُنا كارك إرب، بطل الروائي الألماني غونتر ديبرون، بل بنيامين نتنياهو، الذي قرر أخيراً التوقيع على رزمة المساعدات الأميركية لإسرائيل في ولاية باراك أوباما، وذلك قبل أن يفوته الوقت ويأكل «الضرب» كحال الحمار.
أخيراً، اقتنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتوقيع على رزمة المساعدات الأمنية والعسكرية الأميركية؛ فقد أعلن خلال لقائه عدداً من السيناتورات وأعضاء الكونغرس الجمهوريين أنه معني بالتوقيع على اتفاقية المساعدات مع الولايات المتحدة خلال ولاية أوباما، وعدم انتظار خلفه الذي يتوقع أن يدخل البيت الأبيض في كانون الثاني2017، معتبراً أن ذلك يحدد مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة للسنوات العشر المقبلة (2018 ــ 2028).
صحيفة «هآرتس» العبرية نقلت عن رئيس الوفد الأميركي، لندسي غراهام، قوله بعد لقائه نتنياهو، إن «من الصواب التوقيع على الاتفاقية الأمنية خلال ولاية أوباما»، وذلك باعتبار أن المبالغ التي يقترحها البيت الأبيض على إسرائيل خلال المفاوضات هي «في إطار ما تسمح به حدود الميزانية في المدة الحالية»، في إشارة إلى تأييد أعضاء كُثر في الكونغس للرزمة المقترحة.
ورغم أن المرشحين الأقوى للفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، دونالد ترامب (المعسكر الجمهوري) وهيلاري كيلنتون (المعسكر الديموقراطي)، داعمان لإسرائيل، فقد حذّر غراهام من أن تأجيل التوقيع على الاتفاق قد يقود إلى نتائج سلبية على إسرائيل، بسبب ما اعتبره الواقع السياسي القائم في الولايات المتحدة، وغياب الوضوح بشأن نتائج هذه الانتخابات.
تأجيل التوقيع على الاتفاق قد يقود إلى نتائج سلبية على إسرائيل

ومع توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى، رأت إسرائيل أن ذلك يشكل «ضربة» لها، مبررةً مطالبتها بـ«التعويض» عنه عبر زيادة المساعدات الأميركية لتصل إلى ما يقارب 50 مليار دولار خلال نهاية 2028، فيما تقترح أميركا مساعدات تصل قيمتها إلى 40 ملياراً خلال المدة نفسها.
وفي 2007، وقّعت إسرائيل والولايات المتحدة اتفاقية مساعدات أمنيّة تنتهي في 2018، وبموجبها التزمت الأخيرة بتقديم 30 مليار دولار إلى إسرائيل على مدى عشر سنوات، أي ثلاثة مليارات دولار سنوياً. وهذه المساعدات هي قسائم شرائية تشترط الولايات المتحدة صرفها في أسواقها، فيما تنفقها إسرائيل على العتاد العسكري والأمني.
وكان نتنياهو قد كرر رسائله بشأن زيادة المساعدات خلال لقاءاته مع وفدين من أعضاء الكونغرس والسيناتورات عقدت في الأسبوعين الأخيرين، ووصلت هذه الرسائل إلى البيت الأبيض عن طريق سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، دان شابيرو، الذي حضر بعض هذه اللقاءات.
لكن، وفق «هآرتس»، فإن الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن المبلغ لا تزال قائمة، فضلاً عن الفجوة الكبيرة بين الطرفين. وعرضت الولايات المتحدة على إسرائيل اقتراحين، الأول: يتضمن حصولها على مبلغ 3.7 مليارات دولار سنوياً، ترتفع تدريجياً لتصل إلى أكثر من 4 مليارات، ويصير مجموعها بعد عشر سنوات، نحو 40 مليار دولار، ولكن بشرط أن تلتزم إسرائيل بعدم فتح قناة منفصلة ومستقلة مقابل الكونغرس للحصول على زيادة في المساعدات.
أمّا الاقتراح الثاني، فهو في حال أنه لم ترض إسرائيل بالالتزام بعدم فتح قنوات جانبية، تحصل على 34 مليار دولار خلال عشر سنوات، بمعدل 3.4 مليارات دولار شهرياً.
في هذا السياق، أوضح مسؤول إسرائيلي للصحيفة أن نتنياهو رفض الاقتراح الأول الذي يتضمن التعهد بألا تنشط إسرائيل مقابل الكونغرس في السنوات العشر المقبلة في قضايا مرتبطة بالمساعدات الأمنية، إضافة إلى أنه لم يكن راضياً عن الاقتراح الثاني الذي يتضمن مبالغ أقل بكثير مما يطلبه، خصوصاً أنه كان يطلب مبلغاً يصل إلى 50 ملياراً.
وبعدما صرّح نتنياهو، في مطلع شباط الماضي، بأنه في حال لم يتم التوصل إلى اتفاقية تلبّي الاحتياجات الأمنية لإسرائيل، فإنه سيؤجّل التوقيع عليها إلى حين دخول الرئيس المقبل إلى البيت الأبيض. لكن أشهراً من المناقشات بين القادة الإسرائيليين والأميركيين خلص بها نتنياهو إلى نتيجة مفادها أن التوقيع على الاتفاق خلال ولاية أوباما هو رسالة للسنوات المقبلة تحدد مكانة إسرائيل على أنها قضية تهم الحزبين، وليست محطّ خلاف سياسي هناك، وهو السبب الذي سيدفعه إلى التوقيع رغم غياب رضاه.