تونس | بعد ساعات قليلة من إصدار «الاتحاد العام التونسي للشغل»، أكبر المنظمات النقابية التونسية بنحو مليون منتسب، بيان إدانة لأداء قوات الأمن، واعتداءاتها على المتظاهرين في شارع الحبيب بورقيبة في ذكرى عيد الشهداء، وغداة دعوة «الاتحاد العام» للتظاهر يوم 1 أيار في تحدٍّ لقرار وزير الداخلية علي العريض، أعلن الأخير سحب قراره، بما يسمح للمتظاهرين بالمرور في شارع بورقيبة في عيد العمال. تراجُع الرجل القوي في حركة «النهضة» الإسلامية، علي العريض، حصل بعد الإدانة الواسعة التي واجهت بها قوى المجتمع المدني التونسي والأحزاب السياسية، قرار منع التظاهر في الشارع الذي يرتبط في الذاكرة التونسية الجماعية، بيوم 14 كانون الثاني، ذكرى فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وبدء مرحلة البناء الديموقراطي في البلاد. ديموقراطية، كان منع التظاهر في الشارع المذكور، والعنف الذي واجهت به قوات الأمن ومواطنون محسوبون على «النهضة»، أولى الانتكاسات التي لم يقبلها التونسيون؛ ذلك أن العنف الذي طاول المتظاهرين، لم يكن مصدره أعوان عناصر الأمن فحسب، بل صدر أيضاً عن مواطنين يناصرون «النهضة»، وهو ما شكّل تطوراً خطيراً، اعتبره رئيس «المنظمة التونسية لحقوق الإنسان»، عبد الستار بن موسى، ذات الرصيد النضالي الكبير، مؤشراً خطيراً على دفع خيارات العنف الذي قد يتطور إلى حرب أهلية. كذلك أدان «الاتحاد العام التونسي للشغل» هذا السلوك الذي ذكّر التونسيين بممارسات عهد بن علي. وسارع ثلاثة محامين من قدامى «الاتحاد العام لطلبة تونس»، هم جلال الهمامي وكمال الشريف وحسان التوكابري، إلى مقاضاة وزير الداخلية علي العريض لإبطال قراره الإداري، ولفتح شارع الحبيب بورقيبة أمام المتظاهرين. إدانة مماثلة صدرت عن «النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين» لأداء قوات الأمن والعنف غير المبرر في التعامل مع تظاهرة سلمية بمناسبة عيد الشهداء، وهو ما قابلته النقابة بالدعوة إلى حمل الشارة الحمراء يوم الخميس المقبل، ومقاطعة أنشطة وزير الداخلية لمدة أسبوع.
كل هذه التنديدات والاحتجاجات التي رافقت ما حدث في 9 نيسان الجاري، حاولت «النهضة» وحكومتها أن تقلل من شأنها، عبر تأكيد وزير الداخلية أنّ قوات الأمن واجهت اعتداءات مماثلة، وأن القانون يجب أن يُطبَّق على الجميع لبسط هيبة الدولة. ورغم وجود صور تكشف العنف غير المبرَّر، والاعتداءات على النشطاء السياسيين، سعت قيادات «النهضة» ووزرائها إلى التقليل من شأن كل ما حدث، ونفي أن تكون قوات الأمن قد شاركت في العنف. وكان رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي جازماً في رده على الحملة، عندما أشار إلى أن «سقوط الحكومة أضغاث أحلام».
لكن ما دفع وزير الداخلية إلى سحب قراره، قد يعود إلى الإحساس بالعزلة سياسياً، بعدما تخلى شريكا «النهضة»، أي حزبا «المؤتمر من أجل الجمهورية» و«التكتل من أجل العمل والحريات»، عن مساندتها؛ إذ شجب رئيس المجلس الوطني التأسيسي، مصطفى بن جعفر، الاعتداء على المتظاهرين، وطالب بفتح تحقيق عاجل. وقد حذا حذوه الأمين العام لـ«المؤتمر»، رؤوف العيادي، ورئيس الجمهورية المنصف المرزوقي، وبالتالي وجدت «النهضة» نفسها وحيدة في مواجهة كل الأطياف السياسية بلا استثناء، وهو ما قد يكون وراء قرار وزارة الداخلية وقف العمل بمنع التظاهر.