الدار البيضاء | ما إن تلوح في الأفق بوادر انفراج في العلاقات المغربية ـــ الجزائرية، حتى تطرأ أزمة جديدة تعصف بهذا الأمل. وقد ساد الاعتقاد أخيراً أن جنازة الرئيس الجزائري الراحل، أحمد بن بله، قد تقرِّب بين البلدين، بعدما أعلن عن مشاركة مغربية رسمية في مراسم التأبين الذي أفردت الصحف المغربية مساحات بارزة للاحتفاء بمساره النضالي، رغم أنه ارتبط في أذهان المغاربة بذكرى أليمة تمثّلت في «حرب الرمال» بين الجزائر والمغرب عام 1963.
تزعّم الوفد الرسمي المغربي رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، ومستشار الملك الطيب الفاسي الفهري. وقد ظهر بنكيران في الصور التلفزيونية في مقبرة «العالية»، شرق العاصمة الجزائرية، في الصف الأول إلى جانب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، والرئيس التونسي منصف المرزوقي، وفوجئ الجميع بأنه لم يكن يفصل بين بنكيران ورئيس «جبهة البوليساريو»، محمد عبد العزيز، سوى رئيس أركان الجيش الجزائري الجنرال أحمد قائد صالح. ولم يلبث رئيس الحكومة المغربية بنكيران أن انسحب وتوارى عن الأنظار، بعدما تنبّه إلى وجود زعيم الحركة الانفصالية الصحراوية في جواره، لتُظهر اللقطات التلفزيونية اللاحقة رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى وهو يقف في مكان بنكيران.
لم ينتشر نبأ انسحاب الوفد المغربي من الجنازة إلا بعد أيام، حين كشف بنكيران للصحافة الجزائرية أنه انسحب في اللحظات الأخيرة للجنازة، احتجاجاً على حضور وفد «البوليساريو». وقال بنكيران إنّ الوفد الرسمي المغربي حلّ في الجزائر بناءً على طلب الملك محمد السادس. في المقابل، كان هناك وفد مغربي آخر، غير رسمي، ضم مجموعة من الشخصيات اليسارية المعروفة بصداقتها مع الراحل بن بله. من هؤلاء، رئيس الحكومة المغربية الأسبق، عبد الرحمن اليوسفي، والمناضل اليساري بنسعيد آيت إيدر. واستغرب آيت إيدر لاحقاً الإعلان الرسمي المغربي عن الانسحاب، قائلاً «لقد عدنا جميعاً من الجزائر على الطائرة نفسها التي نقلت الوفد الرسمي، ولم يكن هناك أي حديث عن انسحاب احتجاجي». وأشار آيت إيدر إلى أن «الأمر يتعلق بجنازة وليس بمهمة سياسية، وهي جنازة شخصية تاريخية ووحدوية كانت دوماً ضد فكرة البوليساريو، وإذا حضر في الجنازة ممثل للجبهة، فإننا نعتبر ذلك من بقايا مرحلة مضت وطُويت صفحتها، لذا لم ننسحب، والأمر برأيي لا يستحق رد فعل من هذا النوع، لأن ذلك لا يسهم سوى في توتير علاقات البلدين».
من جهتها، وصفت «البوليساريو» الانسحاب المغربي بأنّه «أمر غير أخلاقي، وخصوصاً في مناسبة أليمة كان من المفترض أن يحترم المغاربة قدسيّتها بدل التعامل معها بهذه الطريقة المتشنجة». وكالعادة، تحوّلت القضية الى مادة للسجال بين صحف الجزائر والمغرب. وقالت صحيفة «الخبر» الجزائرية إن «الوفد المغربي حرّ في موقفه بالانسحاب أو البقاء، لكونه جاء من تلقاء نفسه، ولكن لا يحق له الاحتجاج لأنه لم توجه أي دعوات رسمية إلى أي جهة لحضور تأبين الرئيس بن بله». وأضافت الصحيفة الجزائرية أن بوتفليقة «لم يحتجّ أو ينسحب عندما وجد نفسه في جنازة الملك الراحل الحسن الثاني إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، واضطر إلى مصافحته رغم أن الجزائر ترفض التطبيع». أما في المغرب، فقد نقلت صحف عدة عن «مصادر مطّلعة» أن «جهاز الأمن العسكري الجزائري كان وراء الترتيبات البروتوكولية الخاصة بجنازة بن بله، وتعمّد وضع زعيم جبهة البوليساريو في الصفوف الأولى، والدفع ببنكيران إلى الصف الأول، بإيعاز من رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى».