رام الله | يطال إضراب الأسرى الفلسطينيّين عن الطعام الكثيرين غيرهم؛ فعائلات ألفَي أسير فلسطيني من أبطال معركة «الأمعاء الخاوية»، تخوض بدورها معركة من نوع آخر، عنوانها الصبر ورفع الصوت والخوف على أبنائهم، والإبقاء على معنوياتهم مرتفعة، وهي الحال التي يواجهها الشارع الفلسطيني بمختلف أطيافه، لكون مَن في السجن يمثّلون الجميع، وهم أبناء الوطن الذين ضحّوا بأنفسهم لأجل حرية الآخرين وكرامتهم. أفضل مثال على حال عائلات الأسرى، المواطِنة دلال التاج، التي تقود الحملة التضامنية مع نجلها الأسير محمد رفيق كامل التاج (42 عاماً)، وهو عميد أسرى «جبهة التحرير الفلسطينية»، الذي يدخل يومه الـ37 في الإضراب المفتوح عن الطعام تحت شعار «من أجل كرامتي أريد معاملتي كأسير حرب».
ورغم وضعها الصحي الصعب، والأمراض التي تعاني منها، تواصل الحاجة الستينية أم كامل قرع أبواب كافة المؤسسات الإنسانية والهيئات لإيصال رسالة ابنها التي بعث بها من سجنه أخيراً، والتي تؤكد تمسّكه بمطلبه العادل والمشروع مهما كانت المخاطر. وفي رسالته، يقول التاج «أنا مناضل في سبيل الحرية ولأجل قضية عادلة، وكافة الأعراف والقوانين، وخصوصاً اتفاقية جنيف الدولية الرابعة، صنّفت المناضلين من أمثالنا كأسرى حرب». وتابع أنّ «إسرائيل التي تحتل أرضنا وتصادر حياتنا وحريتنا، لن تتمكن من تشويه الحقيقة وتغيير التاريخ، فأنا وجميع إخواني أسرى فلسطين ولسنا مجرمين، لذلك أنا مضرب عن الطعام منذ صباح يوم 15 آذار، وسأواصل ذلك إلى أن يتم نقلي من السجون التابعة لمصلحة السجون الإسرائيلية إلى معسكر اعتقال تابع للاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والاعتراف بنا كأسرى حرب».
وفي سجن «شطّة»، يواصل الأسير التاج خوض معركة الأمعاء الخاوية، بينما تتابع أم كامل تفعيل قضيته من منزلها في طوباس. لا تتعب دلال من التكرار: إنها قضية عادلة ومشروعة، فابني وكل الأسرى مناضلون، ومكانهم في منازلهم وبين أبناء شعبهم، ولا يستحقون السجن والعقاب والمعاناة. وتضيف «لأنّ الاحتلال اغتصب زهرة شبابهم ويواصل فرض أحكامه وإجراءاته التعسفية، فمن الطبيعي أن يجري تطبيق القوانين الدولية بحقهم واعتبارهم أسرى حرب». وتوضح أم كامل أن «تطبيق هذه القاعدة يكفل لهم كافة حقوقهم حتى في الأسر، لكنّ الاحتلال يمارس بحقهم سياسات وممارسات سلبتهم كافة حقوقهم، لذلك نضمّ صوتنا إلى صرخة الحرية، ونطالب بالاعتراف بمحمد وبكل المعتقلين كأسرى حرب».
غير أنّ سلطات الاحتلال ترفض تطبيق القوانين الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية جنيف الرابعة على الحركة الأسيرة الفلسطينية، وتصرّ على تصنيف الأسرى بـ«الأمنيين، والمعادين للأمن الإسرائيلي والملطّخة أيديهم بالدماء». وقد أثارت خطوة التاج غضب تل أبيب، فشرعت بالتالي في معاقبته. وتقول والدة عميد أسرى «جبهة التحرير الفلسطينية» إنه «منذ اللحظة الأولى لإعلان محمد إضرابه عن الطعام، بدأت الإدارة بعقابه والضغط عليه، فجرى عزله في زنزانة انفرادية ومنعه من الاتصال بالأسرى والعالم الخارجي، وأصدرت قراراً بحظر زيارته حتى إشعار آخر، لكنّ ابني لا يزال صامداً ويرفض التراجع رغم الضغوط القاسية عليه».
ورغم تدخُّل عدة مؤسسات في قضيته، ومطالبة محامِي نادي الأسير بزيارة التاج والاطلاع على وضعه الصحي، تواصل إدارة سجون الاحتلال منع الزيارة. وفي السياق، أفاد رئيس «نادي الأسير»، قدورة فارس، بأنّ «التاج فجّر معركة جديدة في إطار صراع الحركة الأسيرة مع سلطات الاحتلال وجهازها الأمني الذي يتعامل بعداء مطلق مع الأسرى، ويرفض اعتبارهم أسرى حرب، وحاول محامينا دائماً زيارته، ولكن سلطات الاحتلال لا تزال ترفض السماح بذلك، وهناك قلق شديد على الوضع الصحي للأسير مع دخوله هذه المرحلة من الإضراب».
أما الشارع الفلسطيني، فلم يتوقف نبضه لنصرة الأسرى وإضرابهم وقضيتهم، وإن بنحو لا يزال غير كاف؛ وفي إطار التعبئة العامة، تنطلق المسيرات والاعتصامات دورياً باتجاه الساحات الرئيسة في المدن، ومكاتب الصليب الأحمر الدولي في كل محافظة. آخر هذه التظاهرات التضامنية اتخذت من رام الله عنواناً لها، تحديداً دوار المنارة وسط المدينة، حيث تجمع المئات بدعوة من مجموعة «شباب بنحب البلد»، ومجموعة من الصحافيين والكتاب والفنانين، نصرة لإضراب الأسرى في سجون الاحتلال، الذي يدخل أسبوعه الثاني.
وأشار المنظّمون في حديثهم إلى «الأخبار»، إلى أن قضية الأسرى وإضرابهم عن الطعام «لم تحظَ حتى الآن بتحرك شعبي يليق بهامش تضحيات أسرانا البواسل في سجون الاحتلال»، مؤكدين أنّ هذه القضية «تستحقّ انتفاضة شعبية داعمة للمطالب العادلة للأسرى، ومطالبة العالم بتحمُّل مسؤولياته تجاه كرامة أسرانا ومطالبهم الإنسانية». ويلفت المنظّمون إلى أنه «في الوقت الذي يدافع فيه أسرانا بأمعائهم الخاوية عمّا تبقى من كرامة هذا الشعب، يمعن الاحتلال في قمعه الوحشي لهم في زنازين العزل وأقسام السجون، ويبقى الشارع صامتاً تجاه ما يحدث، ولم يرتقِ الحراك الشعبي إلى المستوى المطلوب بعد».
أما شعارات التظاهرات الشعبية فهي «نحو حراك متواصل لدعم الأسرى في إضرابهم»، و«كي لا نقول للأسرى عظّم الله فينا أجركم، ونقول لهم بأننا يلامسنا جرحكم، كونوا معنا غداً، لندعم إضراب الأسرى المقدس، لننثر غبار سنوات تكدّس».
وحيّا المتظاهرون «كلّ المبادرات الهادفة إلى دعم صمود الأسرى في سجون الاحتلال، سواء كانت رسمية أو شعبية، والجهود التي تبذلها وزارة الأسرى، ونادي الأسير، والهيئة العليا لشؤون الأسرى والمعتقلين، وكل المؤسسات الحقوقية، بهدف حشد المزيد من التحرك والهبّة الجماهيرية لنصرة قضية وطنية».