تداعيات قرار الهيئة العامة للبترول والشركة القابضة للغازات الطبيعية، أول من أمس، بقطع الغاز عن إسرائيل هذه المرة جاءت من خارج الحدود. فالقاهرة التزمت الصمت حيال تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي حذّر فيها من استخدام «متشددين إسلاميين لأراضي سيناء بمساعدة إيران في تهريب السلاح وشن هجمات على إسرائيل»، مشبّهاً سيناء بالغرب الأميركي في القرن التاسع عشر.
تصريحات نتنياهو أتت بعد يوم واحد من بيان رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة حسين طنطاوي، التي حذّر فيها من انتهاك الأراضي المصرية، مهدّداً بـ«قطع ساق» من يفعلها. لكنّ وزارة الخارجية لم تعقّب من جانبها على تصريحات نتنياهو، وبدا أن القاهرة تريد أن تستعيد هدوءها مجدداً.
وقلل مندوب مصر السابق لدى جامعة الدول العربية، هاني خلاف، من تأثير قرار قطع الغاز على العلاقات المصرية الإسرائيلية، وعلى استمرار معاهدة السلام بين البلدين. فخلاف لا يرى في القرار أصلاً تصعيداً يذكر حيال إسرائيل، لأن «المعاهدة لم تقض أصلاً بتصدير الغاز، ولم تذكر شيئاً في هذا الصدد، اللهم إلّا السماح لإسرائيل بالتقدم لعطاءات استيراد البترول ومشتقاته من مصر كغيرها من الدول. وهو ما لم تخالفه مصر بقطع الغاز ما دام ثمنه لم يسدد»، حسبما قال لـ«الأخبار»، مضيفاً أن إسرائيل لن تشعر بالقلق من تدهور علاقتها بمصر فقط لأن الغاز المصري انقطع عنها، سيقلقها مثلاً محاولة تعديل معاهدة كامب ديفيد بما يسمح بزيادة عدد القوات المصرية في المنطقة ج (الشريط الحدودي مع إسرائيل) أو طلب تعويضات عن فترة استغلال أراضي سيناء خلال فترة الاحتلال (الذي دام ست سنوات)».
الدبلوماسي السابق لم ير أصلاً في تصريحات نتنياهو تصعيداً يرتبط بوقف تصدير الغاز، «فالأمر لا يعدو أن يكون تكراراً لتصريحات لم يكف هو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين عن ترديدها منذ فترة»، حسب قوله. واستبعد، في السياق نفسه، تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، على الرغم من تزامن تداعيات وقف تصدير الغاز لحليفتها، مع رفض وزارة الضمان الاجتماعي المصرية أمس السماح بعمل ثماني منظمات غير حكومية أميركية، من ضمنها مركز كارتر، بحجة أن عملها ينتهك السيادة المصرية.
وعلى الجانب الآخر، أعاد قرار وقف تصدير الغاز إلى إسرائيل التذكير بالمطالب السابقة بوقف تصديره نهائياً مع استمرار انخفاض الاحتياطيات منه، إذ قال خبير اقتصادات البترول، أيمن جاهين، لـ«الأخبار»، إن مصر لا تزال تصدّر الغاز إلى فرنسا وإسبانيا واليابان وسوريا والأردن. وهي صفقات يراها مؤدية إلى خسائر في كل الأحوال، بسبب ارتفاع تكلفة إنتاج الغاز في مصر، ما يتطلب سعراً عالياً للتصدير لا تحصل عليه مصر فعلياً.
وبرّر جاهين ارتفاع سعر إنتاج الغاز في مصر بكون نحو 80 في المئة منه يقع في المياه العميقة في البحر المتوسط، وتحمّل مصر للضرائب على أرباح الشريك الأجنبي بخلاف أرباح هيئة البترول نفسها بطبيعة الحال، وبخلاف الأتاوة التي تدفع للدولة نظير استخدام الأرض، وهي تساوي 10 في المئة من قيمة إجمالي احتياطيات الحقل، وتكلفة إسالة الغاز ـــ في حال تصديره مسالاً ـــ أو مصاريف النقل بالأنابيب، إضافة إلى ما يسمّى مقابل النضوب.
وختم جاهين بأن تحمّل مصر للضرائب عن الشريك الأجنبي هو شرط جائر في العقود، ووصل إلى مداه مع تحمّل مصر للضرائب على «بريتش بتروليوم» التي اشترت بالفعل حقلي شمال الإسكندرية وغرب البحر المتوسط، بحيث تعيد بيع إنتاجهما لمصر.