*كيف تفسّر تحوّل الرئيس التركي خلال الأعوام الماضية ليمثّل الوجه الأبرز لـ«الإخوان المسلمين» في الشرق الأوسط؟ وهل تعتبر أنّ «حزب العدالة والتنمية» مرتبط فكرياً بفكر «الإخوان»؟

«الإخوان المسلمون» أكلتهم ثورة «الربيع» | «حزب العدالة والتنمية» في تركيا ونزعة «الإخوان المسلمين» (التي تتوسع لتشمل النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب) ينحدران من مسارين تاريخيين، ومن تقليدين مختلفين لا يلتقيان. الأول يعود بجذوره إلى التيار الاسلامي الذي نشأ في نهاية السلطنة العثمانية، وعلى الرغم من خلفيته السلفية، فإنّ الثانية نشأت في بدايات ثلاثينيات القرن الماضي. لكن خلال العقدين المنصرمين، فإنّ (الطرفين) تطورا بصورة متشابهة، وسط تفاعل متبادل بينهما من دون شك.
الحرب العالمية الأولى لم تنته بالنسبة إلى أردوغان

وهكذا، نشاهد فقدانهما للزخم الثوري مع إقرار بالحدود الموجودة، وتخلّيهما عن مشاريع الاقتصاد الإسلامي وتحوّلهما نحو النيوليبرالية. أيضاً، لا بد من الإشارة إلى أنهما يقبلان الآن، ولو شكلياً، العمل في أطر ديموقراطية، فيما يصرّان أكثر في المقابل على الاستقامة في ممارسة الواجبات الدينية وينمّيان ظاهرة عبادة القوة.
مع تمكن «العدالة والتنمية» في تركيا من الوصول إلى الحكم في مطلع القرن الحالي، وإنتاجه لصيغة (بدا أنها) تجمع بين الاسلام والديموقراطية والليبرالية والقوة الاقتصادية، فقد أصبح نموذجاً لسائر الحركات الاسلامية المنتشرة في الشرق الأوسط. لكن خلافاً لما كان يتمناه الثنائي رجب طيب أردوغان ــ أحمد داود أوغلو، لم يكن إعجاب النهضة والإخوان المسلمين بحزب «العدالة والتنمية» وبزعيمه مؤشراً لرغبتهما في هيمنة تركيا كدولة أو دعمهما لأي مشروع توسعي.
وبالفعل شعرَت مجموعة من المفكرين الإسلاميين، خلال مؤتمر عقد في إسطنبول مع زملاء أتراك لهم في عام 2011، بضرورة التأكيد على أن العالم العربي ليس مستعمرة أوروبية أو ولاية عثمانية.
ولست متأكداً من أن «حزب العدالة والتنمية» الذي عانت صورته من ترديات كبيرة في العامين الماضيين لا يزال يعتبر كنموذج يحتذى من قبل سائر الحركات الاسلامية.

*لماذا نجح الخطاب الإسلامي ــ المحافظ في حجز مكانة كبيرة له في تركيا خلال الأعوام الأخيرة؟

يمكن شرح هذا الأمر من خلال عوامل مرتبطة بتاريخ مديد، لكن أيضاً من خلال الوضعية الحالية. لا ينبغي نسيان حقيقة أن تركيا الحالية أقيمت على أساس إبادة أرمنية وعمليات استبدال (قسرية) لمجموعات بشرية مع اليونان، وأن 40 إلى 50% من سكان البلاد ينحدرون من أصول بلقانية أو قوقازية. والمسألة الكردية بما هي قضية إقليمية بامتياز، والمسألة العلوية بدرجة أقل، هما مصدران للنزاع والعنف.
نشاهد في تركيا عملية نكوص مؤسساتي هائلة
كل هذه العوامل تؤدي إلى بروز «هوية قومية» تركية ــ سنية هشة.
علاوة على ذلك، تشهد تركيا التي تضاعف عدد سكانها خلال العقود الماضية، تحولات اجتماعية واقتصادية هائلة، ما يدفع بالطبقات المحرومة وحتى المتوسطة منها إلى تفضيل السلطة، والهيمنة الذكورية، والسيطرة الاجتماعية، إضافة إلى توحيد الرؤية في ما يخص المجال العام.
لذلك نستطيع أن نفهم الآن، وبصرف النظر عن حالات استثنائية، لماذا تنال الأحزاب المحافظة أو المحافظة جداً ما بين 60 إلى 65% من الأصوات... منذ 1950!

*وهنا يستطرد بوزرسلان قائلاً:

هناك أيضاً عوامل ظرفية: منذ عدة سنوات، همّش الجيل الأول والثاني من «حزب العدالة والتنمية»، وذلك لفائدة جيل ثالث لا ينحدر من (لم يشهد) نضالات الإسلاميين القديمة، وهو يحدد رؤية أردوغان للعالم. ووفق هذا الجيل، فإن الحرب العالمية الأولى، التي لم يكن لها من هدف (وفق رؤيتهم) سوى تدمير الإمبراطورة العثمانية، لم تنته بعد، وحتى ان المعارك الحاسمة هي بحكم الآتية. عندما نقرأ هذا، يولد لدينا انطباع بأن تاريخ العالم ليس إلا تاريخ عداء تجاه تركيا.
ضمن أجواء كهذه، يتم تفسير أي انشقاق، أو أي خلاف، على أنه فعل خيانة أو أنه مرتبط بعداوات داخلية أو خارجية.
كذلك نلاحظ بالتوازي خروجاً كبيراً على (الروح المؤسّساتية)، ويترجم بانتقال كل شرعية المؤسسات إلى شخص أردوغان. هذا التطور يعزز أردوغان، بينما هو المسؤول الرئيسي عن حالة العنف التي تجد تركيا نفسها فيها.