الدار البيضاء | يبدو أنّ الجدل الدائر حول تعديل «دفاتر المواصفات» التي تحدد توجهات القنوات الحكومية للتلفزيون في المغرب، مثلما أقرّه وزير الاتصال مصطفى الخلفي (راجع «الأخبار» ـ عدد 24 نيسان 2012)، قد تحوّل من جدل إعلامي إلى أزمة سياسية بارزة، بعدما كشفت وسائل الإعلام رضوخ رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وحزبه «العدالة والتنمية» لضغوط من القصر الملكي من أجل إلغاء بعض بنود دفاتر المواصفات الجديدة التي أغضبت عدداً من قيادات الإعلام العمومي. وبذلك، يكون الملك المغربي محمد السادس على خط الأزمة كسلطة تحكيمية لحسم النزاع بين الإسلاميين وإعلاميي القطاع العمومي.
ووفقاً لعدد من التسريبات التي نشرتها الصحف المغربية، فإنّ الملك استقبل كلاً من بنكيران، ووزير الدولة عبد الله باها، ووزير الاتصال مصطفى الخلفي، وكلهم ينتمون للحزب الحاكم، وذلك في لقاء خاص يوم الأحد الماضي، تم التباحث خلاله حول كيفية تجاوز الخلافات التي أعقبت ردود فعل المسؤولين عن التلفزيون العمومي، والاتهامات التي أطلقها الإسلاميون بخصوص وجود «جيوب تقاوم الإصلاح من داخل النظام». جيوب اتهمها المسؤولون الإسلاميون بمحاربة مشروع تطهير الفساد الذي تقوده الحكومة.
ولمّحت جريدة «الصباح»، المقربة من السلطة، إلى كون الملك قد أبدى بعض الملاحظات حول ما حمله مشروع مصطفى الخلفي، مشيرةً إلى أن اللقاء خرج بتشديد على ضرورة التدرج في الإصلاح، وإدخال تعديلات على دفاتر المواصفات لاستيعاب التيار الغاضب. وأوضحت الصحيفة نفسها أن الملك أعطى توجيهاته لاحترام التعددية اللغوية والفكرية والتنوع الثقافي الذي يطبع المجتمع المغربي، وفق ما ينص عليه الدستور. ومن بين التعديلات التي يمكن أن تطرأ على دفتر المواصفات، بحسب المصادر، إعادة نشرة اللغة الفرنسية إلى توقيتها السابق، والحفاظ على نفس نسبة البث باللغة الفرنسية.
وفي السياق، حملت تصريحات الخلفي، التي نصّت على أنّ مهمته انتهت، وأن الأمر بات الآن بيد الحكومة، إشارات قوية إلى أنّ الحكومة يمكن أن تراجع بعض ما جاء في دفتر المواصفات، وخصوصاً أنها لم تُنشر حتى هذه اللحظة في الجريدة الرسمية، رغم إحالتها إلى الأمانة العامة للحكومة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، وهو ما يجعل إمكانية إجراء أي تعديل عليها أمراً ممكناً قانونياً. وتحدثت صحيفة «أخبار اليوم»، المتعاطفة مع الإسلاميين، عن انتصار لجنرالات التلفزيون في الجولة الأولى، ولفتت إلى أن الإعلام «خسر معركة الإصلاح»، في إشارة إلى إمكانية سحب الدفاتر التي أحدثت الكثير من الخلافات حتى داخل الغالبية الحكومية. وفي مقابل هذا «الانتصار الملكي»، نفت مصادر مقربة من حزب «العدالة والتنمية»، لـ«الأخبار»، إمكانية تراجُع وزراء الحزب الحاكم عن مسلسل الإصلاح. وسبق لبنكيران أن أطلق تصريحات حادة في أحد اجتماعات حزبه، انتقد فيها أفراداً من المحيط الملكي، واتهمهم باستهداف حزبه وتهديد الملكية، مع تلويحه باحتمال عودة «الربيع العربي» إلى المغرب. تصريحات أغضبت النظام، فاضطر بنكيران إلى تكذيبها.
إلى ذلك، رأى الخبير القانوني عبد العزيز النويضي، الذي سبق أن عمل في ديوان رئيس الحكومة السابق عبد الرحمن اليوسفي، أن تدخل الملك في النقاش حول دفاتر المواصفات «يشكل خطراً على التحول الديموقراطي في المغرب». وتابع النويضي «نحن أمام مشهد لا يعبر عن وجود إرادة سياسية لدى القصر بالإصلاح»، بينما أشار القيادي في «حزب الاتحاد الاشتراكي» (معارضة برلمانية) حسن طارق، إلى أن موضوع دفتر المواصفات «لا يحتاج إلى تحكيم ملكي لأنه لا يوجد هناك تنازع بين المؤسسات أو السلطة»، مطالباً بتوضيح فحوى اللقاء الذي جمع الملك بالوزراء الإسلاميين.