صديقتي تسألني عن غزة، عن الشوارع، عن حب المقاهي، عن شتاء هذا العام، كانت تسأل وتسأل، وأسكت، وأضع فواصل كثيرة جراء الاتصال، أعتذّر بعد ذلك: إنها شبكة الاتصال كما تعرفين!
فالبرد هنا قارص، يجعل يدي ترتجف كلما أخرجتها من تحت اللحاف القطني. برد.. برد يا صديقتي، وزيارات الكهرباء الخجولة لا تكفي، وأسعار البنزين ترتفع، هل أقول لكِ بأننا نُشعل الفحم والحطب بمعدل يومي، لننال الدفء المسموم! الدفء الذي قد يقتلنا في أي يوم، دون أن ندري متى.

منذ يومين، أشعل زوجان عروسان الحطب، حتى غرَّهما بنومٍ دافئ، فكانت أول مرة هي الأخيرة أيضاً، حين غادرا الحياة تلك الليلة!.
حتى هذا الفحم ليس صناعة غزية، يهرّبونه من الأنفاق لنا، فلماذا لايستوردون لنا بدلاً من ذلك حياة حقيقية!؟
فالقليل من الفحم، والأغذية المصرية الرخيصة، لا تكفي أيضاً لحياة كاملة، تضمن لنا أمناً من هذا الشتاء، الذي يُغرق الشوارع، فيكون المطر نقمة علينا، لا نعمة نرجوها وننتظرها.
غزة بخير، كل ما في الأمر ناس قد يموتون من البرد، من الفحم، أو غرقاً في مستنقعات الشوارع، في القرن الواحد والعشرين.. هذه هي مدينتكِ!.
لم يتغير الكثير فيها، فهي تنتظر على حافة الأمل، يدقُّون الطناجر لإنهاء الانقسام، فيزداد الانقسام تدللاً، هذا ما أسمعه من المارة، من السائقين، مع العلم بأنني أتجاهل أخباراً كثيرة، فأستطيع أن أُشوِّش أصواتهم بالحلم، فأنا مُضربة عن الأخبارحتى إشعار آخر، حتى يتغير شيء، أي شيء، ولكن بما يُوازي أحلامي، وأحلامك، وأحلامنا.
لولا الأنفاق فماذا كان يمكن لغزة أن تفعل!؟ لحظة سأسألكِ أنا هذا السؤال بطريقة أُخرى: هل سيُذهلكِ الموت فيها لكل الأسباب التافهة البسيطة التي
ذكرتها؟
لن أقرع الطناجر معهم، لكن سأُطالب بأن يُوسِّعوا تلك الأنفاق، لتأتي لنا بالحياة.. الحياة فقط!
أماني شنينو - غزة

رقصة السالسا

أتعرفين أن قرع الطناجر أمر مهم جداً، فلقد سمعتُ أن صوتها سيُعيدنا إلى ديارنا في فلسطين، وليس فقط إنهاء الانقسام! أما بالنسبة إلى الكهرباء، فلن أقول إن معاناتنا مُشتركة يا عزيزتي، لكنّنا نسير فوق المطبّ نفسه!
فالكهرباء وما أدراك ما الكهرباء! وخصوصاً «عندنا» في مخيّمات لبنان. صرنا نتمنّى في بعض الأحيان لو أنّ التقنين يطول أكثر، ونبقى على الاشتراك (المولّد يعني). ذلك أنّ كهرباء الدولة تحبّ الرقص كثيراً لدرجة شعورنا بأنّنا في حفلة أضواءِ، فكلّ بضع دقائق تقطع الكهرباء.. لتعود بعد نصف ساعة وتبقى بضع دقائع.. لتقطع لنصف ساعة.. وتعود وتقطع وتعود .... «»هزّي يا مزّيكا»...
لستُ أذكر منذ متى لدينا هذه المشكلة مع الكهرباء، فمنذ نعومة أظفاري وأنا أذكر انقطاع الكهرباء، حتّى قبل وجود الاشتراك. أذكر قناديل الكاز التي تعتبر من التراث، وما زلنا نستعملها حتّى يومنا هذا،الّتي كان «سيدي» و«ستّي» يستعملانها، تصوّري!! ما زلنا نعتمد عليها. وذهابي إلى الدكّان عند مغيب الشمس لشراء دزّينة شمع.
اه اه اه وأذكر هههه، اعذري حماستي، لكن ذكريات الطفولة لها عندي معنىً خاصّ، فأنا أذكر في البرد عندما تقطع الكهرباء ولا يبقى في غرفة الجلوس سوى الضوء الأحمر الصادر عن «المنقل»، وعندما أمعن التفكير في هذه الذكرى أحمد ربّي على هذا الضوء الخافت، فلولاه لكنّا اُحرقنا ونحن في طريقنا لاستجداء القنديل.
«وعلى سيرة الاستيراد»، يجب أن نطلب استيراد اللياقة أو بالأحرى الشهامة، فللأسف هناك البعض ممّن يجب تسميتهم بالبلطجيّة في بعض الحارات في مخيّمنا، يقومون بسرقة الكهرباء على حساب أهالي الحارة، وأصحاب خطوط الكهرباء المساكين يعانون من الإنقطاع الدائم للكهرباء أو المتقطّع بسبب الحمولة الزائدة على الخطوط، فتشعر، ويا لهذه الصورة المضحكة المبكية، كأنّها ترقص رقصة السالسا، فتقطع وتعود وتقطع وتعود.... وكما قالت أمّي: «هدول بحبّوا يفرحونا كثير، مشان كلّ ما تيجي الكهربا نصير بدنا نرقص من الفرحة..»
تانيا نابلسي - مخيّم البدّاوي