غزة | ما إن يتوافر التيار الكهربائي في منزل والدة الأسير أحمد الشمالي، حتى تسارع إلى شاشة التلفاز لتتابع النشرات الإخبارية، علّها تطمئن إلى ابنها الذي دخل مع بقية زملائه يومه السادس عشر على التوالي في إضرابه عن الطعام. حالة من التوتر والقلق والاستنفار تعيشها أم أحمد التي يواجه ابنها السجن لمدة 18 عاماً قضى منها أربع سنوات لم ير خلالها ابنه وابنته، تجعلها لا تكاد تهدأ من البكاء. فقلبها ينفطر قلقاً على ابنها الذي لا تعرف أخباره منذ أكثر من أربعة عشر يوماً، سوى من شاشة التلفاز أو عبر الموجات الإذاعية. تطمئن قليلاً حين لا تسمع بأنه استشهد أو نقل إلى المستشفى من المضاعفات التي رافقته من إضرابه المفتوح عن الطعام.
وتقول الوالدة، التي يبدو عليها الحزن والأسى وعيناها غارقتان في الدموع، «ابني وجميع الأسرى في معركة شريفة، فهم يريدون نيل مطالبهم البسيطة من سجانيهم، أقل ما فيها أن يروا ذويهم بدلاً من الحرمان الذي يعيشونه». وتضيف «أنا لم أر ابني منذ أسر الجندي شاليط، وعلى الرغم من المخاطر التي تحفّ بهم، أتمنى أن يصمدوا حتى النهاية كي نستطيع رؤيتهم، إلاّ أن قلبي معه في كل صلاة ولا أنفك عن الدعاء له ولزملائه».
المسن نضال الصرافيتي، حاله ليست أفضل من أم أحمد، رغم أنه كان معتقلاً لدى الاحتلال في أواخر السبعينيات. «مجرّب السجن سابقاً» قلقه له شكل آخر. فهو يتخوّف على ابنه الوحيد، علي، الذي تبقى له، بعدما استشهد أخواه بقصف إسرائيلي. ويقول «إدارة السجون ذات عقلية حجرية، تختلف عن الإدارة السابقة التي كانت تخشى أي إضراب للأسرى وتخضع لمطالبهم جميعاً». ويضيف «اليوم هم على استعداد لأن يروا الأسرى أمواتاً على أن يلبّوا مطالبهم».
يحاول الصرافيتي تبرير قلقله قائلاً «ضحيت من أجل وطني بسنين من عمري داخل السجون الإسرائيلية، وضحيت باثنين من أبنائي، فذهبا شهداء، والثالث يقبع خلف السجون، وأحمد الله أنني من المضحين لأجل فلسطين، ولكن غريزة الأبوّة تجتاحني وأتألم حين أتخيّل أن ابني قد يصيبه مكروه، ولكن ما باليد حيلة».
وعلى غرار العديد من أسر الأسرى، لم ير أبو حسني ابنه علي منذ سنوات، حتى إنه لا تصله الرسائل التي يرسلها عبر الصليب الأحمر، ولا يجد رداً عليها. وبات يعيش على حلم أن يفرج عن ابنه ويزوّجه ويفرح به، في آخر أيام عمره. وكذلك حال زوجته الحاجة أم حسني التي أنهكها الألم والحرمان، وذرف الدموع على أبنائها لسنين طويلة، فأصابها مرض السكري والضغط وهشاشة في العظام حتى غدت غير قادرة على السير وحدها داخل جدران منزلها. ومع إضراب ابنها أصبح لديها ضعف شديد في البصر، أقرب منه إلى العمى، دفعها للقول «أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يبقي القليل من نظري حتى أرى ابني، وبعدها ياخد نظري ما بدي ياه، بس المهم أشوف حبيب قلبي قبل ما أموت».
ولزوجة الأسير معاناة من نوع آخر كما تخبرنا نجية مصلح. فهي تسير بين النساء تحمل لقب متزوجة، لكنها لا تشعر بتبعات الزواج. فهي لم تنجب الأطفال، ولا تستطيع العيش في بيت زوجها، على الرغم من وجوب وجودها فيه. وفي الوقت نفسه لا تستطيع العيش في بيت والدها الذي يطالبها بذلك لعدم إنجابها الأطفال، لكنها تحاول أن ترضي أهل زوجها وترضي أهلها، كل ذلك على حساب معاناتها الشخصية على حدّ تعبيرها.
تعيش نجية على أمل أن تلتقي بزوجها سلامة مرة أخرى وتعيش معه. فهي لم تبق معه أكثر من أربع سنوات على الرغم من مرور 25 عاماً على زواجها، قضى زوجها 19 عاماً منها في السجون الإسرائيلية من حكم بـ99 عاماً إثر قيامه بقتل مستوطن انتقاماً لشهداء مجزرة عيون قارا في الذكرى السنوية لها.
وفيما يخوض أكثر من 1700 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية إضراباً مفتوحاً عن الطعام، من أجل تلبية مطالبهم المشروعة، وفي مقدمتها إنهاء العزل الانفرادي والسماح لذويهم بزيارتهم، ويشكو الأهالي من فتور التضامن مع الأسرى، أعلن أكثر من خمسين أسيراً فلسطينياً محرراً، أمس إضرابا مفتوحاً عن الطعام «وفاءً لإخوانهم المضربين داخل السجون والمعتقلات الصهيونية»، إلى جانب «إيصال رسالتهم للعالم بأن قضية الأسرى ومطالبهم
عادلة».
من جهتها، هدّدت حركة الجهاد الاسلامي باستهداف المستوطنين في حال وفاة أي من الأسرى الفلسطينين المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية، وخصوصاً بعد الأنباء التي توافرت عن تردّي الوضع الصحي لعدد من الأسرى ونقلهم إلى المستشفيات.