القاهرة| ارتفع شعار «الشعب يريد إعدام المشير» إيذاناً ببدء التظاهرات من وسط القاهرة، مروراً بمقر وزارة الدفاع بالقرب من ميدان العباسية في شرقها، وصولاً إلى وسط القاهرة مجدداً. وبين الذهاب والإياب، كان العنف الدامي هو عنوان يوم أمس، الذي وافق مولد الرئيس المخلوع حسني مبارك والذي بدا ظله في خلفية المشهد، بعدما هيمنت على التظاهرات هتافات «يا مصري انزل من دارك الطنطاوي هو مبارك».
قوات الجيش أطلقت الرصاص على آلاف المتظاهرين المتراجعين من خلف الأسلاك الشائكة التي نصبتها على بعد نحو مئتي متر من مقر الوزارة، إلى جانب قنابل الغاز ليتعذر مع ارتفاع درجات العنف الحصول على رقم دقيق لعدد الجرحى، فيما تضاربت الأنباء حول سقوط قتيل من عدمه، وذلك قبل أن يعمد المجلس العسكري إلى إعلان حظر التجول في محيط وزارة الدفاع «اعتباراً من 11 مساء يوم الجمعة إلى السابعة صباحاً» من اليوم. شرارة المواجهات بدأت بتبادل إلقاء الحجارة بين الطرفين، إلا أن المتظاهرين سرعان ما توقفوا من جهتهم، قبل أن تعمد قوات الجيش إلى استخدام خراطيم المياه لتفرقة المتظاهرين، ليتطور الموقف مع إطلاق قنابل الغاز، وهو ما أدى إلى ارتفاع وتيرة سقوط المصابين، قبل أن تتقدم قوات الجيش شيئاً فشيئاً باتجاه المتظاهرين بالتزامن مع تسارع إطلاق الغاز على نحو اضطر الآلاف إلى الهرب في اتجاه ميدان العباسية.
مقر الاعتصام، الذي فضه الجيش وحرق خيامه، كان نسخة جديدة من كل مقارّ الاعتصام والمعارك مع الجيش والشرطة بعد اندلاع الثورة؛ إذ اعتمدت الحشود على إسعافات الأطباء المتطوعين في المستشفيات الميدانية وما يسمى «إسعاف التحرير السريع» الذي يتولاه متطوعون على الدراجات البخارية يقومون بنقل المصابين. إلا أن كثافة الغاز هذه المرة كانت مثار دهشة الجميع، فيما رجّح أطباء المستشفيات الميدانية لـ«الأخبار» أن تكون قنابل الغاز المستخدمة من نوعية تختلف عن النوعيات السابق استخدامها.
من جهتها، أعلنت وزارة الصحة المصرية أن أعداد المصابين في اشتباكات العباسية وصلت إلى 59 مصاباً «نتيجةً للتراشق بالحجارة واستخدام الغازات المسيلة للدموع». وأكدت أن حالتهم جميعاً مستقرة، فيما أكد شهود عيان لـ«الأخبار» أن أعداد المصابين تفوق ما أُعلن بكثير. كذلك، كان لافتاً أمس أن نسبة الإسلاميين المشاركين في التظاهرات تقلصت على نحو ملحوظ بعدما هيمن أعضاء حركات «6 أبريل» و«الاشتراكيون الثوريون» و«اللجان الشعبية لحماية الثورة» وشباب من أجل العدالة والحرية، على عكس ما بدأ عليه الاعتصام.
وتوارت تماماً مطالب عودة المرشح المستبعد من سباق الرئاسة حازم صلاح أبو اسماعيل، حتى ضمن مناصريه. وأكد أحد أنصار أبو إسماعيل، ويدعى علي شعبان لـ«الأخبار» أن «مطالبنا الآن هي تعديل المادة 28 (من الإعلان الدستوري التي تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من الطعن عليها) بعدما أصبحنا متأكدين من اعتزام المجلس العسكري استخدامها في تزوير الانتخابات». وهو ما ذهب إليه بيان موحد من عدة قوى سياسية في التظاهرة، رأى أن «الحرائق والأزمات تفتعل عمداً مع اقتراب الانتخابات بحيث يضطر الشعب إلى التجاوز عن أي تزوير من المجلس العسكري لمصلحة أي من المرشحين». وكان شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» قد عاد ليتصدر المشهد في التظاهرة التي انطلقت لساعات قبل أن تصل إلى مقر وزارة الدفاع، فيما هيمنت المطالب بالتوافق بين الثوار على المسيرة. وحمل المتظاهرون لافتات تحمل شعار «سئمنا البلاد»، فيما أدان بيان «الاشتراكيون الثوريون» أداء «معظم مرشحي الرئاسة حيال مذبحة العباسية الذين لم يتجاوز ردود فعلهم تعليق بعضهم لحملاتهم الانتخابية لعدة أيام» بحسب نص البيان الذي حذر كذلك من احتمالات التزوير في الانتخابات الرئاسية المقبلة أواخر الشهر الجاري لمصلحة الفريق أحمد شفيق. وجاء التحذير على خلفية قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بإحالة منافسيه الأقرب عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى ومحمد مرسي على النيابة العامة بتهمة انتهاك قواعد الدعاية الانتخابية.
على الجانب الآخر من العاصمة، كان الهدوء سمة مليونية ميدان التحرير. فلم تحدث أي اشتباكات أو مشادات بين المشاركين في المليونية وأي أطراف أخرى على غرار ما حدث في ميدان العباسية. وبدا واضحاً ضعف عدد المشاركين في تظاهرات التحرير. وانقسموا حول ثلاث منصات لأنصار المرشح المستبعد حازم صلاح أبو أسماعيل وللإخوان المسلمين، ومجموعة «ثوار بلا تيار» لتتنوع اللافتات في الميدان. وبينما هتف أنصار أبو إسماعيل ضد سياسات المجلس العسكري، واستعادوا هتاف «ارحل» الذي استخدم من قبل في أثناء الأيام الأولى لثورة «25 يناير»، اتفقت معظم اللافتات التي رفعت على التنديد بالأحداث الدموية التي شهدها ميدان العباسية خلال الأسبوع الماضي.
كذلك اتفق المتظاهرون في التحرير باختلافهم على ضرورة استمرار سلمية الثورة وتسليم السلطة في موعدها، وإلغاء المادة 28 من الإعلان الدستوري التي تمنع الطعن على قرارات اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية، وهو ما سيؤدي حسبهم إلى «احتمالية تزوير الانتخابات المقبلة».
من جهته، حذّر خطيب الجمعة في ميدان التحرير، المجلس العسكري من الاستمرار في الحكم، وتأجيل انتخابات الرئاسة أو التلاعب فيها لمصلحة أحد المرشحين، مؤكداً في الوقت نفسه أن «الشعب المصري لن يسمح بالاحتكاك بالجيش أو وزارة الدفاع، وأن معتصمي العباسية سلميون، ولم يستخدموا أي أسلحة».
ومع تناقل الأخبار بشأن الاشتباكات بين الثوار والشرطة العسكرية في ميدان العباسية، قرر عدد من المشاركين في التحرير التوجه إلى ميدان العباسية، فيما نفت جماعة «الإخوان المسلمين» ما تردد من أنباء عن تنظيمها مسيرة من ميدان التحرير إلى ميدان العباسية للتضامن مع الموجودين هناك ومساندة الثوار. وأكدت الجماعة على لسان المتحدث باسمها وعضو مكتب الإرشاد، محمود غزلان، أن الإخوان «لم ولن يذهبوا إلى ميدان العباسية، تفادياً لأي احتكاك أو صدام»، مطالباً «الجميع بضبط النفس وحقن الدماء والحفاظ على سلمية الثورة حتى النهاية والابتعاد عن محيط وزارة الدفاع». وفي الإسكندرية، تظاهر آلاف من النشطاء أمام المنطقة الشمالية العسكرية، فيما انطلق الآلاف من جماعة الإخوان المسلمين وعدد من الأحزاب السياسية وسط غياب الدعوة السلفية والأقباط والصوفية في مسيرة من أمام مسجد القائد إبراهيم عقب صلاة الجمعة لينضموا إلى متظاهري المنطقة الشمالية. وحمّل المشاركون المجلس العسكري ووزارة الداخلية والحكومة الحالية ما يحدث من إراقة دماء، مطالبين بالكشف عن البلطجية وتسليم السلطة في موعدها وعدم تزوير الانتخابات.
إلى ذلك، قرر عشرات من النشطاء الاعتصام في خيام أمام المنطقة الشمالية العسكرية في مشهد لم يحدث في الإسكندرية منذ ثورة «25 يناير».
(شارك في التغطية من الإسكندرية: عبد الرحمن يوسف)