دمشق | انتهى يوم الانتخابات السورية سريعاً كما كان متوقعاً ومخططاً له، وعادت العاصمة دمشق ومختلف المحافظات والمدن السورية، إلى إيقاع حياتها اليومي المعتاد. لم تسجل حوادث أمنية أو تفجيرات في مناطق التوتر، أو بالقرب من مراكز الاقتراع، كما كان مجمل السوريون يخافون ويترقبون حدوثها، والتي كانت أهم أسباب عدم خروج عائلات سورية بأكملها من بيوتها يوم «عرس الديموقراطية، وتأكيد الإصلاحات وإعلان التعددية السياسية»، وبالتالي انخفاض نسبة المقترعين إلى أرقام متدنية جداً في بعض صناديق الاقتراع، الواقعة في مناطق التوتر، بينما شهدت مناطق سورية مختلفة، تحديداً في العاصمة دمشق، إقبالاً استثنائياً.
وجوه كثيرة لقرابة 7000 مرشح تكرر ظهورها في الدورات الانتخابية الماضية، وهناك الكثير منها يخوض المعركة الانتخابية للمرة الأولى، لكن ما لا يعرفه المواطن السوري عن حقيقة وخفايا الشخصية لغالبية المرشحين، كشفه لنا باسل جزائري (30 عاماً)، الذي يعمل خطاطاً، ويملك مطبعة في منطقة ساروجا الأثرية وسط العاصمة دمشق، حيث أنجز الحملات الدعائية للعديد من المرشحين هذه العام.
«يحتار الأخ المرشح في إيجاد وسائل وحجج مختلفة، ليتملص من وعوده واتفاقه معنا على أسعار اللافتات أو الصور التي نقدمها له وكلفتها النهائية. بعضهم يقدم نصف المبلغ بداية، وعليك تحصيل بقية أجرك قبل نهاية الانتخابات، حتى لا يضيع عليك»، يقول باسل الذي يشرف أيضاً على ورشة لتعليق لافتات في الطرقات. ويتابع: «يتقاضى هذا الفريق الانتحاري 150 ليرة سورية (2 دولار أميركي) على تعليق كل لافتة قماشية، والويل لهم إن رآها صاحبها المرشح ممزقة، وكأنهم يتحملون مسؤولية الرياح والعوامل الجوية المختلفة». ومن مفارقات المرشحين وعملهم على حملاتهم الانتخابية يخبرنا الجزائري: «هناك تاجر رشح نفسه للبرلمان هذا العام، اشترى آلة طباعة حديثة جداً، وقدم عروض أسعار مغرية جداً لمنافسيه المرشحين لطباعة لافتاتهم أيضاً. كانت المحصلة النهائية أنه طبع لافتاته مجاناً واستعاد ثمن آلة الطباعة سريعاً من منافسيه انفسهم، وضارب كثيراً على أسعارنا نحن أصحاب المهنة!».
وأكد الجزائري، صاحب المهنة التي ورثها عن والده، أن هناك أحد المرشحين أيضاً قام بجولة على جميع خطاطي دمشق والمناطق المحيطة بها، متحججاً بطلبه من كل واحد منهم بعض النماذج قبل الاتفاق النهائي معه لمعاينة الجودة، هذا ما وفّر له أكثر من 300 لافتة لحملته الانتخابية مجاناً.
تعامل المرشحين لم يكن أحسن حالاً مع فرق العراضات الشامية التي تستقبل زوار مضافاتهم في طقوس العرس الدمشقي المحببة. أبو أحمد يدير أعمال إحدى هذه الفرق ويشارك في عروضها أيضاً، يروي التحايل الذي يتعرضون له قائلاً إنه «خلال العالم الماضي أصبحت الأعراس نادرة تماماً، انتظرنا موسم الانتخابات بفارغ الصبر عله يعدل من أوضاعنا المادية السيئة. لكن المرشحين الذين هللنا وطبلنا لهم أخلّوا بما اتفقنا عليه من الأجر المادي وعدد ساعات العمل. المكتوب مبين من عنوانو ... وعوجا وياما حنشوف». قسم أبو أحمد فرقته إلى فريقين، كل واحد منهما قدم عروضه وأنشد لمرشحين متنافسين في منطقة واحدة «في نهاية الأمر لم يصوت أحد من جميع أعضاء فرقتنا إلى أي من المرشحين الذين عملنا لأجلهم. جميعهم متشابهون صدقني، همهم الوحيد مصالحهم الشخصية ليس إلا».
اختلفت قراءة الشارع السوري لفاعليات الانتخابات. الموالون للنظام السوري، وجدوا فيها «عرساً حقيقياً للديموقراطية، واحتفالاً لدخول سوريا مرحلة جديدة في الحياة السياسية عنوانها العريض: التعددية السياسية، تحت قبة البرلمان السوري»، بينما اعتبرت أسماء معارضة كثيرة، الانتخابات «مهزلة حقيقية، ووصمة عار في جبين الحياة السياسية السورية»، كما هي الحال مع الكاتب والصحافي المعارض الدكتور حازم نهار الذي قال لـ«الأخبار»: «لا يخفى على أحد أن السوريين اعتادوا التعامل مع ما يسمى انتخابات مجلس الشعب بشيء من السخرية طوال أربعة عقود، فأي مواطن سوري يعرف ببساطة أن مجلس الشعب في سوريا لا يستطيع اتخاذ قرار في أي مسألة، اللهم إلا ما يتعلق ربما بأسعار الخضار والفواكه».
بدورها، رأت الصحافية السورية فاديا أبو زيد أن أقامة انتخابات مجلس الشعب في مثل هذه الظروف والأحداث «غير صحيحة وغير مستقرة»، مشيرة إلى أن الواقع السوري لم يعد وضعاً داخلياً نستطيع تجاوزه، أو تجاهله، «لدينا اليوم مراقبون دوليون أتوا بموجب قرار دولي»، وإلى أن ذلك ما هو إلا دليل واضح على أن السوريون ليسوا في وضع يسمح باستمزاج رأي كافة أفراد الشعب، على مرشحي مجلس شعب، وعلى مشروع أقره طرف، وهي السلطة، في غياب الطرف الآخر، ولا سيما أنه مشروع يهدف إلى تمثيل جميع أطراف وفئات الشعب من دون استثناء.
تقدم الناشطة السورية رغد أبو صلاح قراءتها للانتخابات، مستندة إلى أحد أشكال التعبير الأكثر حرية وديموقراطية، لجأ إليها الكثير من السوريين اليوم «لأول مرة الانتخابات التشريعية مادة دسمة لمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعية مثل الفايسبوك»، ليتم تبادل الإِشادة بالبعض والسخرية بالبعض الآخر من قبل جميع الأطراف، فيما طرحت جهات معارضة افتراضية تحت اسم «صفحة انتخابات الحرية» أسماء مرشحين افتراضيين عن فئاتٍ مبتكرة جرى انتقاؤهم من ناشطين وشهداء. وأكدت أيضاً أن انتخابات مجلس الشعب في الوقت الراهن، تشكل حالةً إشكالية، ففيما يستقبلها البعض كجزءٍ من بداية العملية الديموقراطية السورية والتغيير والإصلاح الموعود، إثر تغيير الدستور وقيام انتخابات تشريعية بعيدة عن الحزب الواحد (وإن ظاهرياً) لأول مرة في سوريا منذ أكثر من أربعين عاماً، «إلا أن فئةً لا يستهان بها استهجنت الموقف واعتبرت أن الانتخابات في هذا الوقت تشكل نوعاً من الاستهزاء بدماء السوريين في ظل نظامٍ تعتبره هذه الفئة فاقداً للشرعية».