لم يتوقّع أحد من المحللين خطوة رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وكلّ قرأ نتائجها ومستقبلها على هواه، لكن الجميع اعترفوا لـ«بيبي» بانتصار سياسي عظيم، فيما نصّبه البعض «ملك إسرائيل» الذي «يجب أن يتمثّل به القادة الأميركيون».

بعض الصحافيين الأميركيين عاشوا نوستالجيا حزب «الليكود» القديم قبل أن ينقسم على نفسه، فهللوا لتحالف من شأنه أن يعيد القوة للحزب الحاكم وغازلوا صورة نتنياهو وشاؤول موفاز يداً بيد من جديد.
وفيما لم تتوحد وجهات النظر حول تأثير التحالف على بعض القضايا السياسية الخارجية الاساسية، اتفق الجميع على أن حصوله يعود بالمنفعة على الطرفين ويهب استقراراً سياسياً إسرائيلياً طوال فترة عام. النووي الإيراني والقضية الفلسطينية حضرا بقوة في القراءات الصحافية، وخصوصاً أن لرئيس حزب «كديما» مواقف تتناقض الى حدّ ما مع نهج رئيس الوزراء الاسرائيلي تجاه القضيتين حتى اليوم. جزء من المحللين رأى أن دخول موفاز الى الدائرة الضيقة لصنّاع السياسات الامنية الاسرائيلية سيكبح حتماً جموح الليكوديين واليمينيين المتطرفين باتجاه خيار الهجوم على إيران. هؤلاء أيضاً أبدوا تفاؤلاً بإعادة إطلاق عملية السلام مع الفلسطينيين، بعدما أعلن موفاز أن ذلك من أولويات أجندته السياسية. بالنسبة لهؤلاء «سيحرر» التحالف نتنياهو من سطوة الاحزاب المتطرفة على قراراته منذ سنوات.
لكن الجزء الثاني من المحللين، لم يعلّقوا أهمية على شعارات موفاز وكلامه السابق، هؤلاء لا يرون أي تغيير جوهري في السياسات الاسرائيلية الخارجية، وبالنسبة لهم سيعزز حصول نتنياهو على غالبية ساحقة من الحكومة مواقفه السابقة أمام الداخل الاسرائيلي وأمام المجتمع الدولي ــ وخصوصاً الولايات المتحدة الاميركية ــ أي سيعطي لأفكاره المطروحة سابقاً زخماً أكبر لكونها ستصدر الآن عن حكومة تمثل الأكثرية السياسية. ومن بين هؤلاء مَن ابتسم ابتسامة ماكرة لمجرد التفكير أن رئيس أركان سابقاً في الجيش الاسرائيلي ووزير دفاع سابقاً (أي شاوول موفاز) سيكون، بكامل خبرته العسكرية تلك، إلى جانب نتنياهو... عند الهجوم على إيران.
الكل يفوز إذاً مع نتنياهو، حتى المعجبون بوزير الدفاع إيهود باراك، اطمأنوا إلى أن وزيرهم سيحافط على مقعده في الحكومة، وهو الأمر الذي لم يكن يرجحه أحد في حال حصول الانتخابات.
آرون دايفد ميلر كتب، لموقع قناة «سي إن إن»، أن «ضربة نتنياهو الاستباقية أكسبته ١٦ شهراً إضافياً من دون منافسة سياسية على الساحة الاسرائيلية، وخوّلته مشاركة أبرز خصومه مقابل منصب نائب رئيس وزراء، كما وسّعت حكومته وأكسبتها شرعية أكثر في خضم الفترة المضطربة المقبلة». كل ذلك، يضيف الكاتب، «يحصل في ظلّ الانتقادات المكالة ضد نتنياهو وحكومته في الداخل والخارج وبمواجهة إدارة أميركية تتمنى انتهاء ولايته في أسرع وقت». وإضافة الى وصف نتنياهو بـ«ملك إسرائيل»، يقول ميلر إن بيبي «بدا كرجل دولة وسياسي عبقري، عمل الصواب من أجل وحدة بلاده واستقرارها»، في حين «يبدو موفاز كرجل من دون مبادئ». حتى أن ميلر، كما كل من يستهجن طريقة تعامل باراك أوباما مع الشؤون الاسرائيلية، استغل الفرصة للانقضاض على الرئيس الاميركي، فقال «وفي حين يواجه أوباما مستقبلاً سياسياً غير أكيد، ضَمِن نتنياهو من جهته مستقبله السياسي ولو لفترة قصيرة من الزمن».
وفي المسألتين الفلسطينية والايرانية، يشرح ميلر وجهة نظره ويقول إن «محادثات السلام، التي هي في غيبوبة الآن، قد تتحرّك قليلاً لكن من دون أي تغيير يذكر». لماذا؟ «لأن نتنياهو لم يدخل في حلف مع كديما ليخسر حزبه ويقسمه على ذاته قبل انتخابات مقبلة، بسبب صفقة مع الفلسطينيين»، يشرح الكاتب. أما بالنسبة إلى ضرب إيران، فيشير ميلر إلى أن قرار نتنياهو في هذا الشأن طالما اعتمد على ٣ عوامل هي «النوايا الايرانية، ودرجة صعوبة العملية، والقرار الاميركي». لذا، يضيف «إن التحالف الحاصل لا يغير شيئاً في موقف نتنياهو، واحتمال تنفيذ ضربة على إيران قبل الانتخابات الاميركية قد يكون تراجع». ميلر يخلص الى أن «حكومة الوحدة الجديدة ستحافظ على الـstatus quo القائل إن لا هجوم على إيران في عام ٢٠١٢ ولا اتفاق بشأن النووي أيضاً». الكاتب يختم مقاله بكيل المديح مجدداً لنتنياهو معترفاً بأن «الجميع استخفوا بقدراته حتى أثبت أنه القائد السياسي الاسرائيلي الممسك بكل شيء والحاصل على ما يريد».
ماثيو أكرمان، في مجلة «ذي كومنتري»، استكمل بدوره الغزل بخطوة نتنياهو وعدّها إثباتاً إضافياً أن «إسرائيل لا تزال الملهم السياسي» وأن «على السياسيين الاميركيين التعلم من قدرة نظرائهم الاسرائيليين على قولبة الظروف وإعادة صياغتها لا على الوقوع ضحايا لها».
«لماذا ذهب نتنياهو الى الوسط؟»، سأل كارل فيك في مجلة «ذي تايم». بنظر الكاتب، التحالف الاسرائيلي ذهب الى الوسط، الامر الذي أغضب اليمينيين المتطرفين من المؤيدين لسياسة المستوطنات. لكن، حسب فيك، فإن «القنبلة التي ألقاها نتنياهو بإعلانه الاخير تسمح له بتوسيع نطاق مناوراته، إذ مهما كان قراره في الشأن الداخلي والخارجي... سيبدو كأنه صادر عن إجماع حكومي». الكاتب ينقل قول البعض إن نتنياهو أراد سياسياً «أن يعيد الليكود الى الوسط وأن يغمسه بشكل أعمق في السياسات السائدة الاسرائيلية». وهنا يلفت فيك الى إشارة البعض أن «الشؤون الداخلية هي التي تهم الاسرائيليين حالياً أكثر من السلام مع الفلسطينيين والنووي الايراني».

ضربة معلّم

ومن بين الذين يرون في خطوة نتنياهو مكسباً لهم على الصعيد السياسي والامني والاقتصادي، دوف زاخيم في «فورين بوليسي»، الذي تحدّث عن «ضربة معلّم» بالاشارة الى ما قام به رئيس الوزراء الاسرائيلي. زاخيم يرى في التحالف مع «كديما» ووجود موفاز داخل الحلقة الامنية الضيقة للقرار الاسرائيلي، تأثيراً كبيراً على السياسات الاسرائيلية، وخصوصاً أن رئيس «كديما» يبدي انفتاحاً ونية بالدخول مجدداً في مفاوضات سلام مع الفلسطينيين. اما في المسألة الايرانية، فيقول زاخيم «إن موفاز، المولود في إيران، معروف برفضه للضربة الاحادية على النووي الايراني، لكن في حال اقتنع بضرورة تنفيذها فهو سيشكل دعماً قوياً لقرار نتنياهو داخلياً وخارجياً». الكاتب يشير الى ايجابية اخرى للتحالف وهي «تخليض نتنياهو من عبء الجناح المتطرف داخل الليكود والاحزاب المتطرفة الاخرى وخصوصاً في موضوع المستوطنات».
وجهة نظر زاخيم تلاقت مع التحليلات التي وردت في مقال إدموند ساندرز في صحيفة «لوس أنجلس تايمز» ومقال إيزابيل كيرشنير في «ذي نيويورك تايمز». وحده إيليوت إبرامز، عاش في نوستالجيا فريدة تخيّل فيها عودة حزب الليكود الاسرائيلي قوياً وموحداً. أبرامز يشرح مدى «ضعف حزب كديما قبل التحالف وفي الانتخابات المقبلة حيث من الممكن أن يسحقه حزب العمل». «رغم أن التحالف أقيم لأهداف سياسية داخلية فهو من شأنه أن يؤثر على السياسة الامنية الاسرائيلية» يقول أبرامز، مشيراً الى مواقف موفاز «المرنة» تجاه الفلسطينيين. لكن أبرامز نبش لرئيس «كديما» خطاباً يدعو فيه الى منع إيران من امتلاك حتى النووي السلمي «والا فسأكون أول من يؤيد ضربها عندما يصل السيف الى أعناقنا»... وبعد الاستشهاد بكلام موفاز، يختم أبرامز «وعندما سيقرر نتنياهو أن السيف وصل الى الاعناق سيكون وجود موفاز وكديما الى جانبه ذا قيمة كبيرة».



نحو نظام استبدادي

من الاقلام الصحافية القليلة التي انتقدت مفاجأة بنيامين نتنياهو وتحدّثت عن خطورة إلغاء الانتخابات، الصحافي جوناثان كوك في «ذي ناشيونال»، الذي قال إن ما قام به رئيس الوزراء الاسرائيلي هو «خطوة جديدة نحو إحلال نظام استبدادي». كوك يلفت الى أن نتنياهو سعى خلال فترة حكمه الى إضعاف الاعلام ومنظمات حقوق الانسان والقضاء، لذا، فهو حسب الكاتب، ومن خلال كسبه سنة ونصف سنة اضافية في الحكم سيستكمل ما بدأه من تدمير لمراكز السلطة المنافسة له.
كوك لا يبدي ثقة برئيس كديما شاوول موفاز، واصفاً إياه بـ«المتعطش للسلطة» و «غير أهل للثقة». أما في المسألتين الفلسطينية والايرانية، فيرى كوك أن التغيرات لن تكون جذرية في موقف إسرائيل من إيران، بل سيستغل نتنياهو موقعه القوي ليضغط داخلياً وخارجياً من أجل تشديد الخناق على طهران. أما بالنسبة للفلسطينيين فالوضع «سيبقى كما هو عليه».