بغداد | المعركة الرئيسية لتحرير محافظة نينوى، أهم معاقل «داعش» في العراق، لم تنطلق بعد... هذا ما تؤكده مصادر من داخل الحكومة العراقية، ومعطيات تستند إلى تصريحات محلية من داخل الموصل (مركز المحافظة)، وأخرى أميركية تشير إلى عكس ما أُعلن، قبل أكثر من أسبوع، عن انطلاق عملية عسكرية سُميت بـ«الفتح».
حتى الآن، لم يتبيّن ما إذا كان ثمة قرار رسمي بتحديد موعد للبدء بتحرير الموصل من «داعش». وهذا الحديث، حتى لو بدا متعارضاً مع معارك عسكرية شهدتها مناطق جنوب المدينة، إلا أن مواقف مثيرة للجدل دفعت إليه، وكان آخرها تصريح القائد العسكري الأميركي والمتحدث باسم «التحالف الدولي»، ستيف وارن، الذي أكد فيه «الحاجة إلى الوقت» قبل الشروع رسمياً بالمعركة الحاسمة. وقال إن «القوات العراقية تحتاج مزيداً من الوقت لكي تستكمل تدريباتها لمعركة تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش».
بطبيعة الحال، يعزز التصريح الأميركي ما أشيع، بالتزامن مع انطلاق عمليات «الفتح» (في الرابع والعشرين من الشهر الماضي)، عن أن هذه العملية ليست هي الرئيسية المنتظرة، إضافة إلى أنه تبيّن أن الحملات العسكرية التي شهدها قضاء مخمور (جنوب الموصل)، هي جزئية خططت لها قوات «التحالف الدولي»، بعد مقتل جنديين أميركيين في قاعدة عسكرية في القضاء ذاته.
الملف السياسي طغى على اجتماعات المسؤولين مع الوفود الأميركية

مع ذلك، هناك أطراف محلية تتحدث عن انطلاق «المرحلة الثانية» من عمليات «الفتح» لتحرير قرى تقع جنوب المدينة، يقودها الجيش العراقي ومتطوعون محليون. وفي هذا السياق، أشار القيادي في «الحشد العشائري» في جنوب الموصل، خالد الجبوري، إلى أن هذه المرحلة «انطلقت من المحور الشرقي لنهر دجلة، وهي تستهدف الالتقاء بالقطعات الكردية (البشمركة) الموجودة في شمال النهر». وقال لـ«الأخبار» إن العمليات «أدت إلى تحرير قرى النصر والمحمدان وزناوير وسلطان عبد الله والصلاحية»، موضحاً أن «المناطق التي يُراد تحريرها ستكون مناطق صد ضد داعش، بعد طرده منها».
على مستوى آخر، تتحدث أوساط عراقية عن تأثير الوضع السياسي وانشغال بغداد بالتغيير الحكومي على قرار البدء بتحرير الموصل، فيما يبدو أن هناك أموراً أخرى لم تُحسم بعد، وهي تقف وراء هذا التأخير. وقال مصدر مقرّب من الحكومة إن «ملف مشاركة الحشد الشعبي، وأيضاً وجود قناعة بأن الحرب على نينوى تساوي معارك مهمة من حيث عديدها وتأثيرها واحتمال طول عمرها، يدفع إلى هذا التأنّي في اتخاذ القرار». المصدر لفت، في حديث لـ«الأخبار»، إلى أن «الأميركيين مارسوا، في الفترة الأخيرة، ضغوطاً على الحكومة من أجل البدء بعملية تحرير نينوى دون غيرها، لكن هذا الضغط تراجع، أخيراً، من دون معرفة الأسباب». وأشار المصدر إلى أن «الملف السياسي طغى، في الفترة الأخيرة، على اجتماعات المسؤولين في الحكومة مع الوفود الأميركية أو السفير الأميركي، وهو أمر قد يكون متصلاً بتراجع مسألة تحرير الموصل».
من جانبه، أوضح مصدر متابع أنه «لا يوجد أي قرار بإطلاق عملية لتحرير الموصل»، مضيفاً أن «ما يجري هي عمليات محدودة». وقال لـ«الأخبار» إن «هدف العملية (الفتح) التي انطلقت محدود جداً، وهو تأمين محيط مخمور بعد هجمات داعش التي أدت إلى مقتل أميركيين اثنين».
المصدر اتهم، أيضاً، الأميركيين بدعم طرف على حساب آخر من الأطراف العراقية، التي تنوي المشاركة في الحرب على «داعش» في نينوى، في إشارة إلى الدعم الذي تتلقاه قوات إقليم كردستان (البشمركة) من القوات الأميركية.
علاوة على ما تقدم، هناك اعتقاد لدى كثيرين بأن الصعوبات المالية، وعدم الثقة في قدرة الأطراف المحلية التابعة لمحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، والتي تتولى واشنطن تدريبها، هي من الأسباب التي تفسر هذا «التردد» في انطلاق العملية العسكرية الرئيسية لطرد «داعش». يأتي ذلك في ظل المحاولات السياسية لإبعاد «الحشد الشعبي»، الذي يُعَدّ الطرف العراقي الوحيد إلى جانب «جهاز مكافحة الإرهاب»، والذي أثبت قدرته على التحرير وهزم التنظيم المتطرف، كما حصل في مدن عراقية عدة، أبرزها تكريت وبيجي (صلاح الدين).
في غضون ذلك، يكتفي «التحالف الدولي»، منذ وقت، بشن غارات جوية على مقارّ «داعش» في الموصل يقول إنها تستهدف «إضعافه»، وسط أنباء عن تغيير التنظيم لمقارّه التي يستخدمها هناك. وشملت هذه الغارات مقر القنصلية التركية، الأمر الذي أدى ـ بحسب «التحالف» ـ إلى مقتل خمسة «دواعش». وأعلنت وزارة الخارجية التركية، أول من أمس، أن «طائرة تابعة للتحالف الدولي قصفت مجمع القنصلية التركية في الموصل شمال العراق، بعد الحصول على موافقة السلطات التركية، نتيجة معلومات استخبارية عن إقامة عدد من قيادات التنظيم فيه».