الاسكندرية | كان المصريون مساء أول أمس على موعد مع التاريخ. فها هي أول مناظرة حقيقية بين اثنين من أبرز مرشحي الانتخابات الرئاسية في مصر، يقفان أمام كل المصريين ليتباريا في كسب ود وعقل الناخب الجالس في المنزل والمقهى، يشاهد هذا الحدث لأول مرة بعد صيام عن أجواء الديموقراطية دام عشرات السنين. هذا المشهد عكسته الأجواء المحيطة بالشوارع والبيوت المصرية وقت المناظرة. فعلى عكس المعتاد يوم الخميس، الذي يسبق يوم الإجازة الأسبوعية في مصر، التف المواطن العادي، ولا سيما الشباب وأبناء جيل الوسط منهم، ليشاهد هذه المناظرة بدلاً من متابعة أحد أفلام السهرة أو المسرحيات. كذلك كانت الحال في مقاهي المحروسة، سواء في الأحياء الشعبية أو الأرستقراطية، التي اعتاد المارة أن يشاهدوا روادها من الشباب منجذبين لمباريات كرة القدم، كما أن الشوارع على عكس العادة شهدت انسياباً مرورياً بعكس هذا الوقت من الأسبوع.
على مقهى بحي جليم بالاسكندرية جلس شريف آدم مع 9 من أصدقائه يشاهدون المناظرة، ويتجاذبون أطراف الحديث حولها. «دي حاجة جديدة أول مرة أشوفها في حياتي»، يقول شريف البالغ من العمر 23 عاماً أثناء احتسائه مشروبه وعيناه معلقتان على الشاشة.
شريف يؤيد عبد المنعم أبو الفتوح «هو ده الأصلح وراجل فاهم ومعاه مستشارين بيساعدوه»، لكن عمرو موسى «حسسني أنه ملوش في الدين والشريعة. ده بيقول الدين كويس لكن خلينا ننطلق». ويستطرد «ننطلق من إيه، الدين عمره ما كان بيقيد». شريف ليس شاباً متديناً وأصدقاؤه يدخنون الشيشة والسجائر «لكن برضه مينفعش حد يتكلم عن الدين كده».
على المنضدة المقابلة كان شوقي عبد الغفار، صاحب شركة ويبلغ من العمر 60 عاماً، يتحدث عن وجهة نظر مغايرة. فعمرو موسى «بتاع المرحلة، ده كان أمين جامعة الدول العربية 10 سنين ووزير خارجية 10 سنين وعلاقته كويسة بكل الخارج». شوقي يريد «الخارج»، فالثورة «خلاص انتهت، إحنا في مرحلة الدولة عايزة إيه، ما يهمش إنه فلول»، معتبراً أن «الاستثمارات اللي جاية من بره أهم».
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي قبل المناظرة كانت تضع موسى في المقدمة بفارق ضئيل عن أبو الفتوح، إلا أن شريف آدم مستعد لتقبل أيّ نتيجة «طالما رضيت بالديموقراطية يبقى متزعلش».
متابعة المناظرة لم تقتصر على أنصار أبو الفتوح أو موسى. محمد سعد (31 سنة، محاسب) من أنصار حمدين صباحي برر مشاهدته للمناظرة «لأن دي حاجة أول مرة تحصل في حياتي وححكي لأولادي عليها». ورغم تمنيه فوز صباحي، لكنه يرى في «عمرو موسى شخصية رئيس، لكن مينفعش دلوقت علشان السن ومحسوب على النظام». أما النتيجة النهائية، فيرى أنها ستكون لصالح أبو الفتوح «علشان الناس بتحبه وهو أرحم من أبو إسماعيل».
على مقاعد أحد محالّ العصير، جلست إحدى الفتيات مع خطيبها يشربان العصير وهما يتحدثان عن مستقبلهما في الحياة، إلّا أن سخونة المناظرة دفعتهما إلى رفع أنظارهما إلى الشاشة المعلقة داخل المحل، متابعين مع الزبائن والمارة تلك المباراة السياسية ليُشغَلا بمستقبل رئيس مصر عن مستقبلهما.
كمال محمود (محامٍ، 25 سنة)، أحد الذين شاهدوا المناظرة، علق قائلاً «لقد أعجبني أداء أبو الفتوح، ولا سيما عندما أبدى اعتراضه على أداء الدبلوماسية المصرية والخارجية المصرية في عهد مبارك، وبيّن أنه لا فارق في الأداء حتى في مدة تقلد عمرو موسى وزارة الخارجية». في المقابل، لم يعجب محمود أداء موسى في استخدامه «الردود الدبلوماسية التي لا تشفي ولا تظهر أي انحياز إلى أي وجهة نظر، وتحديداً ما بدا أنه نفس الفكر والتوجه السابق في عهد مبارك، في كيفية التعامل مع إسرائيل والولايات المتحدة، عندما قال إنه يجب أن نعلم إمكاناتنا وامكانات الولايات المتحدة». وأضاف «أنا لا أعترض معه في وجوب النظر إلى الأمور بواقعية، لكنه لم يقدم أيّ شيء يفيد أنه سيحاول تغيير هذا الأمر، والخروج من هذه الهيمنة المفروضة من القائمين على أمورنا قبل الهيمنة الفعلية من قبل الولايات المتحدة».
أما يوسف زيتون، الطالب بكلية تجارة إنكليزي، فيرى أن كلاً من المرشحين يلعب على طبقة معينة؛ «فموسى يغازل الطبقة الفقيرة وكان بيقول الكلام اللي يريح الناس، أما أبو الفتوح، فكان يغازل الشباب والطبقة المثقفة». لذلك يرى زيتون أنه «لا يوجد أحد تفوق على الآخر بنسبة كبيرة».
من جهته، رأى الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية بوحدة الدراسات المستقبلية في مكتبة الاسكندرية، محمد العربي، أن المناظرة كانت بمثابة ظاهرة. ورأى أنها «جزء من بقاء السياسي تحت رحمة الشو الإعلامي، وتصوير المرشح كنجم لا كسياسي». وأضاف «المناظرات أساساً تعتمد على فكرة من سيستطيع أن يجذب الناخب/ المشاهد، ونلاحظ هنا الخلط بين الإعلامي والسياسي، والمناظرة هنا تصبح حدثاً إعلامياً أقرب إلى مباريات الكرة، الفوز فيها يعتمد على حسن الأداء وربما سيؤدي المظهر والأناقة وطريقة التحدث والألفاظ المستخدمة في تحديد من سيفوز».
وينبّه العربي إلى أن «الاتجاه العام لا يلتفت إلى هذا، ويتعامل مع الأمر باعتيادية، إذ إن السياسة في مصر قبل وبعد الثورة وقعت فريسة أصلاً للتوك شو، وهو الرأي الغالب». أما بالنسبة إلى مناظرة الأمس «فكان من المؤمل أن يجري التقارع فيها بين برنامجين، لكن ما حدث وكما هو متوقع أنها وقعت بين شخصين، فاعتمدت المباراة فيها على فتح كل من موسى وأبو الفتوح ملفات الماضي، مثل اتهام أبو الفتوح لموسى بأنه جزء من النظام السابق، وتركيز الأخير على انتماء أبو الفتوح إلى الجماعة الإسلامية ثم الإخوان».
ويختتم العربي رؤيته قائلاً «لا أعتقد أن هذه المناظرة قد غيرت في وجهة نظر الكثيرين، ولا سيما من هؤلاء الذين قد حسموا أمر اختيارهم، وربما رأى البعض أن الاثنين، موسى وأبو الفتوح، قد خرجا منها خاسرين لسوء الأداء لصالح المرشح الثالث وهو حمدين صباحي، أو حتى الإعلامي الماهر يسري فوده».