براكسات البارد | ما الذي يربطني بك أيها المخيم القديم الجديد النموذجي؟ زواريبك التي لم تعد زواريب، كنا نعرفها، وكانت لنا ملعباً، متاهة، نعرف تفاصيلها عن ظهر قلب ويسلينا أن غيرنا لا يعرفها؟ حجارتك الجديدة التي بلا ذاكرة عن لمسات أصابعنا وحرارة أنفاسنا وطول تنهداتنا؟ أبنيتك العالية؟ شوارعك المتسعة على حساب بيوتنا لكي تترك ممراً للعيون التي تريد أن تحصي أنفاسنا؟ ما الذي يربطني بك؟ ربما جيراني؟ لكني لم أعد أعلم عنهم شيئاً بعد كل هذا التشتت والتفتت.
استذكرك الآن أم أمس؟ وهل عادت الذكرى تنفعني؟ أين ملاعب طفولتي؟ أين طريق مدرستي؟ بيوت أصحابي؟ بيتي؟ صوري التي تكوّم عليها بيتي كمدفن؟ أحلامي وأوهامي؟
هم لم يمسحوك عن الأرض. هم أرادوا مسحنا نحن. مسح الذكريات التي تجمعنا كوطن بديل، ذكريات كل واحد منّا. أرادوا مسح العلاقة التي ربطتنا بك والتي نسجناها يوماً بعد يوم، ليلة بعد ليلة، حباً بعد حب، طفلاً بعد طفل، أغنية بعد أغنية. مسح الماضي الجميل بكل تفاصيله، ومعه مسح مستقبلنا إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا. أيها المخيم الجميل الذي ما زال ماثلاً في أرواحنا بكل تفاصيله الصغيرة، أيها العشق الأبدي الذي زرع في ذاكرتنا إلى الأبد: لن يستطيعوا إزالتك من طبقات الروح مهما فعلوا. أيها المخيم المزروع فينا حتى التوحّد، ماذا بقي لنا منك؟ ماذا تركوا؟
يا أيها المنكوب مثلنا، المصلوب مثل عيسى الفلسطيني على خشبة حضارة زائفة، أعملت فيك سكاكينها بلا رحمة. أيها المنفي المنسي على قارعة الطريق، وخريطة طريقك أُزيلت معالمها. أيها المخيم الذي جمعنا في رحمه أهلاً، وتركناه سهلاً، ونكرناه عند أول صياح للديك. عذراً، لم يبق لنا من أحلامنا شيء، ومن ذاكرتنا إلا الذكرى، ومن كراماتنا إلا ما تكرمت به أنت علينا حين استقبلتنا وحضنتنا.
أيها المخيم المسلوب المنكوب المصلوب في زمن العهر النضالي، أيها المتجذر فينا ضارباً جذورك في أعماق أعماقنا ما بقينا: هل أنت هو أنت؟ وهل بعدك نحن ما زلنا نحن؟ سؤال يقضّ مضجعي، ويسلبني البسمة كما الزهرة الخجولة تضم ورودها عند أول لمسة.
يا أيها المخيم النموذجي: عذراً، فأنت لست أنت، ونحن لسنا نحن.