القاهرة | في الوقت الذي يختار فيه المصريون في الخارج رئيسهم الجديد، لم يحسم المصريون في الداخل أمرهم بعد. فمنذ أول من أمس فقط، استقرت قائمة المرشحين للرئاسة بعد صدور حكم قضائي بأحقية المرشح المحسوب على النظام السابق أحمد شفيق في الترشح للرئاسة لحين توصل المحكمة الدستورية العليا في مصر إلى مدى دستورية قانون العزل السياسي الذي أصدره البرلمان خصيصاً لإقصاء مرشحي الفلول من الانتخابات الرئاسية.
وهو ما علق عليه شفيق قائلاً: «أنا بسبع أرواح». حكم القضاء لم يؤكد عودة شفيق إلى السباق فقط، بل إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها أيضاً. ورغم أنه ليس أمام المصريين في الداخل سوى 9 أيام فقط ليختاروا من قائمة تضم 13 شخصاً رئيسهم الجديد، إلا أن غالبية المواطنين، بل القوى السياسية والاجتماعية، لم تحسم موقفها من مرشحي الرئاسة.
السلفيون منقسمون حيال مرشحهم للرئاسة. وبالرغم من تأكيد قطبي الجناح السلفي «حزب النور» و«الدعوة السلفية»، الأكثر قدرة على حشد الأصوات الانتخابية، تأييدهم لعبد المنعم أبو الفتوح، إلى جانب الجبهة السلفية وحزب الفضيلة ذي الانتماء السلفي أيضاً، إلا أن باقي الأحزاب والقوى السلفية، بمن فيها حزب الأصالة، أهل الجماعة والسنة، أنصار السنة المحمدية، الهيئة الشرعية للإصلاح والحقوق، الجمعية الشرعية، قررت تأييد مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي. أما جبهة «حازمون» المؤيدة للمرشح المستبعد حازم صلاح أبو إسماعيل فتمسكت بموقفها من تأييد الأخير فقط، رغم استبعاده.
الانقسام بين أبناء التيار السلفي الواحد سببه الجدال حول مدى التزام كل من أبو الفتوح ومرسي بالشريعة الإسلامية. المؤيدون لمرسي وصفوا مؤيدي أبو الفتوح بأنهم يريدون مسك العصا من المنتصف على حساب تطبيق الشريعة الإسلامية، مؤكدين أنه ينبغي على شيوخ السلفيين أن ينتخبوا مرسي لضمان تطبيق شرع الله ونهضة مصر. وهو ما حاول أبو الفتوح الرد عليه للحفاظ على تأييد السلفيين له بالتشديد على أنه سيناضل من أجل شريعة الله، وإقامة المشروع الإسلامي. وأكد في إحدى جولاته الانتخابية أن «البلاد تريد رئيساً وسطياً، ليس متطرفاً للعلمانية أو متطرفاً في الدين».
وحسب مراقبين، أسهم أبو الفتوح هي الأعلى وقدرته على حصد أصوات حزب النور والدعوة السلفية هي مكسب عظيم، من شأنه إبعاد مرسي عن المنافسة، لما لهذين الفصيلين من شعبية وقدرة على حشد الأصوات. وهو ما تحاول جماعة الإخوان المسلمين التغلب عليه في مؤتمراتها الانتخابية، حيث تتعمد الجماعة الحشد الجماهيري في أي مؤتمر تعقده لمرشحها محمد مرسي لإظهار قوتها، الأمر الذي فسره مراقبون بأنه تعبير من الجماعة عن ارتباك موقفها.
الأقباط، الذين يمثلون 20 في المئة من تعداد المصريين حسب إحصائيات رسمية، لم يحددوا مرشحهم للرئاسة أيضاً. جزء منهم اعتبر أن الأقباط لا بد أن يكون مرشحهم يؤمن بالدولة المدنية وألا يكون له انتماء إسلامي حتى لا يعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية كما كان يفعل مبارك. وحصروا اختياراتهم ما بين عمرو موسى وأحمد شفيق، في الوقت الذي اعتبر جزء آخر منهم أن عبد المنعم أبو الفتوح هو الأجدر برئاسة مصر. أما الكنيسة الأرثوذكسية فامتنعت عن تزكية مرشح بعينه، فيما اندلعت أزمة بين نشطاء الأقباط ولجنة المئة التي تتكون من 100 من الشخصيات العامة المعنية باختيار مرشح رئاسي يحظى بتوافق غالبية المصريين. وأدت الأزمة الناشئة إلى استقالة غالبية الأقباط الموجودين ضمن لجنة المئة عقب اختيار اللجنة للمرشح المحسوب على التيار الإسلامي عبد المنعم أبو الفتوح. محامي الكنيسة الأرثوذكسية نجيب جبرائيل، قال في حديث إلى «الأخبار» إن نشطاء الأقباط اجتمعوا على عشرة معايير يجب توافرها في رئيس مصر المقبل، منها أن يؤمن بمدنية الدولة ولا ينتمي إلى أي من التيارات الإسلامية، ويشدد على حقوق الأقباط، شأنهم شأن باقي المصريين وألا يكون قومياً يطوف ويمجد القومية العربية فقط. ورغم أن جبرائيل رفض تسمية المرشح الرئاسي الذي تتوافر فيه الشروط، إلا أنه لم يشر إلى توافق الأقباط على أحد مرشحي الفلول موسى أو شفيق. أما رئيس هيئة الأقباط العامة، شريف دوس، فأعلن تأييده صراحةً لأبو الفتوح، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس ائتلاف أقباط مصر، عقب لقائه بالمرشح الناصري حمدين صبّاحي، أن الائتلاف سيعلن قريباً عن المرشح الذي سيدعمه الأقباط. وهو اللقاء الذي وعد خلاله حمدين الأقباط، في حال توليه الرئاسة، بعدم تفويت الجرائم التي ارتكبت ضد الأقباط، مؤكداً أنه سيفتح كل الملفات وأنه سيكون هناك خروج عادل للمجلس العسكري وليس آمناً.
إلى ذلك، واصل المرشحون للرئاسة جولاتهم ومؤتمراتهم الانتخابية، في حين أظهر أحدث استطلاع للرأي أعده مركز استطلاعات وبحوث الرأي العام في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، تصدّر أبو الفتوح قائمة مرشحي الرئاسة بنسبة (34.1 في المئة). وحصل حمدين صبّاحي على المركز الثاني بنسبة 10.7، ثم أحمد شفيق بنسبة 8.4 يليه، بفارق ضئيل عمرو موسى. أما مرشح جماعة الإخوان المسلمين، فجاء في ذيل القائمة بنسبة 5.2 في المئة، في الوقت الذي أكدت فيه غالبية القوى والتيارات السياسية أن المناظرة التي جمعت بين عمرو موسى وأبو الفتوح جاءت لمصلحة المرشح حمدين صبّاحي. فحسب الكاتب علاء الأسواني، كان من المفترض أن يشارك في هذه المناظرة حمدين صبّاحي، لكنه استبعد لرفض أبو الفتوح وموسى مناظرته، وهو ما ردّ عليه أبو الفتوح بإعلان استعداده لمناظرة مع صبّاحي.