التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الساحة السياسية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، كشفت أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، لم يكن يريد ابتداء الذهاب نحو انتخابات مبكرة، وانه كان مضطراً اليها ليس اكثر، لكن عندما ضمن التحاق حزب «كديما»، برئاسة شاؤول موفاز، بالائتلاف الحكومي، عاد وانقلب سريعاًَ على المسار الذي سلكه الكنيست في حل نفسه، مطلقاً شعار ان «حكومة الوحدة الوطنية الواسعة جيدة للأمن، جيدة للاقتصاد، وجيدة لشعب إسرائيل».
وبعيداً عن الكثير من التكلف في مقاربة ما جرى في الساحة الإسرائيلية، يكمن سر تقلبات نتنياهو في موازين القوى البرلمانية لحكومته، التي كانت تحظى بتأييد 66 عضو كنيست، من اصل 120 عضواً، أي إنها كانت مقيدة ومهددة من قبل اي حزب مؤتلف فيها. والاكثر حضوراً في هذا المجال، كان حزب إسرائيل بيتنا، برئاسة افيغدور ليبرمان، الذي يمثل حزبه 15 عضو كنيست، اضافة الى التيار الحريدي الممثل بحزب شاس (11 عضواً) وكتلة يهدوت هتوراة (5 اعضاء).
هذا الواقع، جعل مصير حكومة نتنياهو مرتهناً للكتل الكبيرة فيها، وخاصة «إسرائيل بيتنا» و«شاس»، لأن انضمام أي منهما إلى المعارضة، سوف يُمكِّنها من توفير 61 عضو كنيست وفرض حل الكنيست، والتوجه نحو انتخابات مبكرة.
وجد نتنياهو نفسه مُلزماً باللجوء إلى الخيار الاستباقي، عبر تأييد إجراء انتخابات مبكرة، عندما اعلن ليبرمان عزمه على تقديم مشروع قانون يُلزم بتجنيد المتدينين في الجيش الاسرائيلي، وأنه إذا لم يؤيده الائتلاف الحكومي، فسيتخذ موقفاً حاسماً، في إشارة إلى الانسحاب من الائتلاف.
إذاً، مثّل موقف ليبرمان، بالنسبة إلى نتنياهو، وفق اقل السيناريوهات سوءاً، اعلاناً عن سياسة ابتزاز قد تكون متصاعدة، ويمكن ان تتواصل إلى حين فرض انتخابات مبكرة، الأمر الذي قابله نتننياهو بقرار انتخابات فورية، ومن دون ابتزاز. اضف إلى انه إذا كانت الانتخابات امراً مفروغاً منه، فلتكن قبل الانتخابات الأميركية لا بعدها لتجنب ضغوط اميركية، في حال اعادة انتخاب باراك اوباما رئيساً لولاية ثانية.
في ضوء ذلك، يصبح من المستبعد جدا أن تكون خطوات ومواقف نتنياهو السابقة في الذهاب نحو انتخابات مبكرة، وأيضاً كلماته في مؤتمر حزب الليكود وامام الحكومة، من باب التضليل والخداع والمناورة، كما اتهمه بذلك بعض المعلقين الإسرائيليين، وانما الحقيقة هي، أن نتنياهو كان مرغماً على الذهاب نحو انتخابات مبكرة، منعاً للابتزاز، اساساً، ولكونه متأكداً، بحسب استطلاعات الرأي، أنه سيفوز فيها، وسيتولى تأليف الحكومة، لكن عندما لاحت له فرصة تفادي الانتخابات وإيقاف الابتزاز، من خلال إضعاف كل شركائه، عمل على استغلالها بأحسن صورة، حتى وُصف، بملك اللعبة السياسية الداخلية.
في الوقت نفسه، الشريك الجديد في الائتلاف، حزب كديما، كان مدركاً أن أي انتخابات مبكرة كانت ستطيحه، وكان سيهبط تمثيله من 28 مقعداً في الكنيست الحالي إلى نحو 10 مقاعد. بكلمات اخرى، إن ما أرغم كديما على قبول هذه الصيغة، هو الجدية في الذهاب نحو انتخابات مبكرة، وما رافقه من تقديرات لنتائجها، وهو ما دفعه إلى إظهار الاستعداد الحقيقي للذهاب نحو صفقة تحافظ له على مكانته إلى أواخر السنة المقبلة. ما الذي سيتغير جراء تأليف حكومة وحدة وطنية؟ لو سارت الأمور كما هو مخطط لها، فسيحوز نتنياهو قدرة أكبر على مواجهة أي محاولة ابتزاز، من قبل أي من شركائه الائتلافيين، لأن أقصى ما يمكن أن يهدد به أيّ منهم، هو الانسحاب من الائتلاف وبالتالي من الحكومة، فيما القاعدة البرلمانية للحكومة الجديدة، باتت 94 عضو كنيست، وبالتالي فإن خروج أي حزب وحده، لن يهز الحكومة اطلاقاً.
أيضاً، ومن الناحية النظرية، بات بإمكان نتنياهو معالجة قانون خدمة المتدينين في الجيش، بعيداً عن قلقه من تفكك الحكومة، وكذلك بالنسبة إلى أي استحقاق داخلي آخر، وخصوصاً أن التوجه الأساسي لموفاز هو عدم الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهو امر يمثّل مصدر ضمان لنتنياهو، تجاه كل الأطراف الأخرى.
خارجياً، فإن تأليف حكومة وحدة وطنية سيعزز مكانة نتنياهو أمام الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي، باعتبار أن حكومته لن تكون حكومة اليمين، بل حكومة تمثل الغالبية الساحقة من اليهود، الأمر الذي من شأنه، نظرياً، ان يوفر قاعدة عريضة، لأي قرار يتخذه على المستوى الإقليمي.
وعلى اي حال، مع او من دون موفاز، فإن التحدي النووي الايراني يتصدر رأس اولويات واهتمامات القيادة السياسية الاسرائيلية، وبالتالي ستكون حكومة الوحدة معطى وواقعاً قد تأمل اسرائيل أن يمثّلا عاملي مساعدة بأي اتجاه كان، ومن بينها صدقية اكبر، لأي تهديد تطلقه اسرائيل ضد اي من اعدائها. ويوفر لنتنياهو أوسع قاعدة تمثيلية لأي قرار استراتيجي يتخذه، سواء في اتجاه المبادرة العسكرية، او في اتجاه الانكفاء والمراوحة.