رام الله | بأربع وستين ثانية وقوفاً وتوقفاً عن كل شيء، وعلى صوت صافرات الإنذار، اختصر الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس المحتلة ذكرى نكبتهم قبل أربعة وستين عاماً. أحيوها بالمسيرات والمهرجانات الخطابية في كافة المدن والقرى والمخيمات، بما فيها القدس المحتلة. أما الغزاويون فأحيوها على طريقتهم أيضاً بالمسيرات والخطابات والماراثون وزرع أشجار الزيتون.
الميزة الوحيدة في فعاليات النكبة لهذا العام، هي مرورها على وقع نصر كبير للأسرى الفلسطينيين، ما جعل الكثيرين يخرجون إلى الشوارع «احتفالاً»، وإن في يوم نكبتهم، ما يبرز سخرية القدر الذي يعيشه هذا الشعب.
بلال من الضفة يروي لـ«الأخبار» حكايته مع النكبة، ويقول: «أصلي من قرية اسمها خروبة في قضاء الرملة، وهذا اليوم يعني الكثير لي، فهو يوم أذكر فيه قريتي التي لم أنسها. أخذني والدي المرحوم لزيارتها يوماً وحدثني عنها كثيراً، وهو ما سأفعله كذلك مع ولدي». ويضيف: «لم نجد بيتنا هناك؛ فقد تحولت القرية إلى مناطق زراعية إسرائيلية، لم يبق منها سوى الآبار وشجر الصبار والخروب الذي اشتهرت به. وقريتنا تقع غربي مطار اللد وتبعد عنه قرابة 2 كيلومتر، وخوفنا أن تتحول إلى جزء من المطار، لتندثر إلى الأبد».
المسيرة المركزية في أراضي الضفة كانت عند دوار الساعة وسط مدينة رام الله، حيث رفع المشاركون شعارات تؤكد التمسك بالثوابت الفلسطينية، وفي مقدمتها حق العودة، إضافة إلى شعارات تدعو إلى الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وسط حالة من التضامن الكبير مع الأسرى وقضيتهم.
وهناك تحدث رئيس الوزراء سلام فياض، مؤكداً حق العودة المقدس لشعبنا الذي لا يمكن التنازل عنه، وضرورة الانسحاب الكامل من كافة الأرض الفلسطينية، وأكد أن «لا سلام مع الاحتلال من دون عودة اللاجئين وتحرير الأسرى من سجون الاحتلال». بدوره، ألقى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف كلمة باسم اللجنة، أكد فيها أن حق العودة لا يسقط بالتقادم «وأن شعبنا سيبقى ثابتاً؛ لأنه جوهر القضية الفلسطينية، حتى إنهاء الاحتلال وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف».
وفي غزّة، انطلقت المسيرة التي نظمتها اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة، والتي تضم كافة الفصائل، وفي مقدمتها «حماس» و«فتح»، من وسط مدينة غزة باتجاه مقر المجلس التشريعي قبل الوصول إلى مقر الأمم المتحدة غرب المدينة، حيث سُلِّمت رسالة موجهة إلى الأمين العام بان كي مون.
وشارك في المسيرة رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية، إضافة إلى مئات النساء والأطفال الذين رفعوا أعلاماً فلسطينية ورايات الفصائل المختلفة، كذلك رفع بعض المشاركين مفاتيح ترمز إلى «العودة» إلى بلداتهم التي هُجِّروا منها عام 1948، ورددوا هتافات تشدد على الوحدة الوطنية الفلسطينية ونبذ الخلافات وإنهاء الانقسام.
وألقى رئيس اللجنة الوطنية زكريا الآغا، كلمة شدد فيها على أن الشعب الفلسطيني «لن يقبل أي بديل للعودة»، ودعا إلى «استمرار التمسك بوقف كل أشكال المفاوضات ورفض عدم استئنافها والإصرار على وقف الاستيطان وتوفير مرجعية دولية لعملية السلام».
وفي المناسبة، شارك هنية إلى جانب عشرات العدائين الفلسطينيين في ماراثون نظمته وزارة الشباب والرياضة في حكومته، وانطلق من شارع الجلاء وسط مدينة غزة باتجاه ميدان الجندي المجهول غرب المدينة. فيما زرع عدد من الفلسطينيين مئتي شجرة زيتون على الطريق الساحلي غرب غزة ترمز إلى مئتي طفل قتلوا في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أواخر 2008.
يوم النكبة لم يمرّ من دون مواجهات مع الاحتلال في القدس المحتلة ورام الله وبيت لحم والخليل جنوب الضفة الغربية. ونجح نحو 50 ناشطاً في المقاومة الشعبية السلمية ضد الجدار والاستيطان، في اختراق جدار الفصل العنصري، المقام على أراضي قرية بلعين غربي رام الله، بعدما اخترقوا الحاجز الإسرائيلي المقام هناك. خطوة مثلت رسالة واضحة لإسرائيل بأن «الشعب الفلسطيني بعد 64 عاماً على احتلال أرضه لا يزال يسعى إلى العودة إلى مدنه وأراضيه وقراه التي هُجِّر منها عنوة». لكن جيش الاحتلال حاول منع الناشطين من التقدم، فوقعت اشتباكات واعتقالات.
وفي منطقة سجن عوفر الإسرائيلي، وصل نحو 1000 متظاهر، واشتبكوا مع قوات الاحتلال بالحجارة، فردّت عليهم بوابل من الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، والغاز السام المدمع، ما أوقع 20 إصابة على الأقل.